تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - عبرت الآيات عن الوجوب والفرضية والإلزام بالكتابة (كتب)، فالكتابة كناية عن الوجوب، بدلالة التعدية بـ (على)، ولا يمنع القول بالكناية إرادة حقيقة الكتابة في اللوح المحفوظ.

وفي الكناية بالكتابة دلالة على ثبوت الحكم واستقراره ودوامه ((لأن ما كتب جدير بثبوته وبقائه)) كما قال في البحر المحيط، وقال ابن عطية في تفسير الآية (178) من سورة البقرة: ((الكَتْب مستعمل في الأمور المخلدات الدائمة كثيرًا) وقال ابن عاشور في تفسير الآية نفسها: ((أصل الكتابة نقش الحروف في حَجَر أَوْ رَقِّ أو ثوب ولما كان ذلك النقش يراد به التوثق بما نقش به دوام تذكره أطلق "كُتِب" على معنى حَقَّ وثبت)).

وقد صيغ الفعل (كتب) ماضيًا، ولم يقيد المكتوب بزمن مستقبل، للدلالة على أن الصيام تكليف قائم قد تحقق وقوعه، فيبادر إلى فعله.

ومع هذه الدلالة فإن اختيار التعبير بـ (الكتابة) يتلاءم مع معنى التيسير والتسهيل والتهوين، لأن (الكتابة) أخف وأسهل على النفوس من التعبير بـ (الإلزام أو الوجوب أو الفرض)، خصوصًا أن المكتوب (الصيام) فيه مشقة عليها، بترك أعظم ما جبلت النفس على اشتهائه ومحبته والرغبة فيه.

3 - بني الفعل الماضي (كُتِب) في هذه الآية وفي الآيتين اللتين سبقتا في (القصاص والوصية) لما لم يسم فاعله (المجهول، المفعول)، ومعلوم أن الذي كتب الصيام على العباد هو الله عز وجل، ولعل هذا الفعل جاء على هذه الصيغة لما في التكليف من مشقة وصعوبة على العبد، فلم يسند الفعل إلى الله عز وجل ظاهرًا في اللفظ، قال أبو حيان بعد أن ذكر هذا الوجه: ((وحين يكون المكتوب للمكلف فيه راحة واستبشار يبنى الفعل للفاعل، كما قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى? نَفْسِهِ ?لرَّحْمَةَ} {كَتَبَ ?للَّهُ لأّغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى?} {أُوْلَـ?ئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ?لإِيمَـ?نَ}. أما بناء الفعل للفاعل في قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ?لنَّفْسَ بِ?لنَّفْسِ} فناسب لاستعصاء اليهود وكثرة مخالفاتهم لأنبيائهم، بخلاف هذه الأمة المحمدية، ففرق بين الخطابين لافتراق المخاطبين)).

4 - قدم الجار والمجرور (عليكم) بما فيه من معنى الوجوب والإلزام على المفعول به الصريح (الصيام)؛ لأن المنادى حينما يعلم أنه هو المكلف فإن نفسه بعد ذلك تكون أكثر تنبهًا وارتقابًا لما ستكلف به، وهذا أسهل عليها مما لو جاءها من التكليف ما لا ترتقبه.

5 - التعريف بالألف واللام في (الصيام) للعهد الذهني، أي: كتب عليكم جنس الصيام المعروف. والنفس أسهل عليها التكليف بما تعرفه، ولو لم تقم به من قبل، بخلاف ما لا تعرفه فإنه يشق عليها التكليف به، ولو كان أسهل مما تعرفه.

وقد كان العرب يعرفون الصوم، فقد جاء في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية»، وفي بعض الروايات قالت: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منكم فصام، وأمر بصومه» وسؤاله صلى الله عليه وسلم إنما هو عن مقصد اليهود من الصوم، لا عن أصل الصوم، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء صام يوم عاشوراء، ومن شاء لم يصمه». قال ابن عاشور: ((المأمور به صوم معروف جنسه، زيدت في كيفيته المعتبرة شرعًا قيود تحديد أحواله وأوقاته، بقوله تعالى: {فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] الآية، {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185) وبهذا يتبين أن في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لصِّيَامُ} إجمالاً وقع تفصيله في الآيات بعده)).

6 - التشبيه في قوله {كَمَا كُتِبَ عَلَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.

ووجه الشبه قيل: في أصل الوجوب، وقيل في الكيفية، وقيل فيهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير