ولكن أحيانا لا بدّ من الخلاف ... لأنّ خدمة كتاب الله ـ العزيز الحكيم ـ والإخلاص للعلم والتجرد له يقتضي منّا ترك المجاملات ... ومواجهة الأحبة والإخوان ببيان عدولهم عن الصواب وكشف خطئهم في بعض المسائل والمباحث ... ومن ذلك أستاذنا الكريم قولك ....... أودّ أن أضيف شيئا لا يشير إليه أحد فيما أظن، وهو أن كتابة المصحف كانت حتى زمن الخليل وسيبويه والفراء والكسائي والمبرد وكلهم علماء باللغة ومعظمهم من علماء الدرس القرآني تستفيد من التحسينات التي تحدث في الكتابة العامة وأهمها نقط الإعجام وعلامات الشكل الخليلية ولم يجد العلماء ولا غيرهم غضاضة في إضافتها بلون مداد الكتابة، والانفصام الذي وقع من بعد تلك الفترة إنما حدث في رأيي بسبب غياب علماء اللغة وانفراد غير اللغويين بالقول في رسم المصحف فبقي على ما كان عليه وأضاف النُّقَّاط بالحمرة والصفرة والخضرة أشياء بديلة للتحسينات التي كان ينبغي إدراجها بالسواد كما جرى مع ما قبلها،
فإنّ هذا مخالف للثابت المعروف ... لأنّ أوّل من زاد على رسم الإمام فيما أعلم هو أبو الأسود الدؤلي 69هـ والنصّ الصحيح الصريح عنه أنّ ذلك تمّ بلون مغاير لرسم الإمام فقد قال لكاتبه: (خذ المصحف وصباغا يخالف لون المداد فإذا فتحت شفتي فانقط فوق الحرف نقطة وإذا ضممتها فانقط أمامه وإذا كسرتها فانقط تحته ... ) إلى آخر القصة
وكلّ ما ألحق بالمصحف ألحق بلون مغايرٍ إلاّ نقاط الإعجام قيل لأنّها من ذوات الحرف وليست من عوارضه كباقي علامات الضبط ... ولكن رغم ذلك فقد اهتدوا إلى طريقة يميزون بها بين رسم الإمام وما ألحق به من نقاط الإعجام بأن جعلوا سمك النقاط أدقّ (وأرقّ) من سمك خطّ الرسم ...
المسألة الثانية التي أريد الوقوف عليها: إنّ جماهير علماء الإسلام اتفقوا حتى لا أقول أجمعوا على وجوب المحافظة على رسم الإمام وعدم التعرض له بتعديل أو تغيير لماذا؟
فبقي لأجل ذلك رسم الإمام جامدا على الحالة الأولى التي كان عليها لم يتغير بينما نمت الكتابة العربية وتطورت وتغيرت وفق الأعراف الجديدة والحاجات المستجدة
ولا ينبغي أن يظنّ الظانّ أنّهم إنّما فعلوا ذلك لمجرد الإتباع والجمود والتقليد أو أنّ فاعلي ذلك ليسوا من أهل الاختصاص كعلماء اللغة مثلا بل كانوا جاهلين بأصول الكتابة وقواعدها ...
إنّ الصحابة لم يقصدوا برسم المصحف كتابته فقط ولو كان المقصد الوحيد من رسم الإمام هو الكتابة لجاز لنا أن نساير تطور الكتابة العربية بل لكان المصحف أولى بهذا التطور والتغير الإيجابي من غيره من النصوص العربية ولكن قصد الصحابة كان أكبر من ذلك وأوسع ومن بين مقاصدهم التي ينبغي مراعاتها في رسم المصاحف
أوّلا: رسم الإمام عبارة عن وعاء لأحرف القرآن التي لم تنسخ في الختمة الأخيرة وأيّ تغيير في الرسم قد ينجرّ عنه إمّا ترك لبعض هذه الأحرف أو إدخال فيه ما ليس منها
ثانيا: إنّهم أرادوا أن يتركوا القرآن كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه وخطّه حتى يكون حجة على من يأتي بعده ...
ثالثا: إنّ رسم الإمام اليوم من أكبر الأدلة على حفظ القرآن ... لأنّ المخطوطات العربية التي كتبت في عهود متقارب مع رسم المصحف متوافقة معه تمام التوافق وفي ذلك دليل واضح وساطع على بقاء القرآن على ما كان عليه في تلك الفترة المتقدمة
والله اعلم بالحق والصواب
ـ[أبو هاني]ــــــــ[15 Oct 2010, 12:12 ص]ـ
(بعيدا عن أن نخطِّئ أمرًا في الكتابة أو نلتمس علة تسوِّغ وروده بصورة خاصة)
هذا ما بدأت به مشاركتي السابقة على الأخيرة لكنك عدتَ إلى الجدل، ولستُ أريد الخوض فيه، فقدَّمتَ تعليلا غير موثَّق هو هذا
(جعلوا سمك النقاط أدقّ (وأرقّ) من سمك خطّ الرسم)
وهذا (قصد الصحابة كان أكبر من ذلك وأوسع، ومن بين مقاصدهم التي ينبغي مراعاتها في رسم المصاحف) كذا وكذا مما ليس لدينا دليل عليه؛ ولقد كان سؤال السائل الأول ماجد المطرود عن الاختلاف في كتابة كلمة: كتاب مرة بألف ومرة بغير ألف، والتعليل بما يُنقل عن القدماء اجتهاد لا دليل يؤيده، لذلك سأتوقف عن الحديث في هذا الأمر.
ـ[بودفلة فتحي]ــــــــ[15 Oct 2010, 10:30 ص]ـ
¥