يا أستاذنا الكريم أنا أفضل تسمية هذا الاختلاف مناقشة يراد منها الوصول إلى الحقّ والصواب لا جدلا بمعناه العرفي العقيم ...
وما أردته من مداخلتي الأخيرة هو معرفة المزيد من الأدلة والحجج على مسألتين ذكرتهما يا أستاذ ...
الأولى: أنّ الأفضل لكتاب الله عزّ وجلّ لو ساير تطور الرسم العربي الإملائي .... ويفهم ذلك صراحة من قولك:
أودّ أن أضيف شيئا لا يشير إليه أحد فيما أظن، وهو أن كتابة المصحف كانت حتى زمن الخليل وسيبويه والفراء والكسائي والمبرد وكلهم علماء باللغة ومعظمهم من علماء الدرس القرآني تستفيد من التحسينات التي تحدث في الكتابة العامة وأهمها نقط الإعجام وعلامات الشكل الخليلية ولم يجد العلماء ولا غيرهم غضاضة في إضافتها بلون مداد الكتابة، والانفصام الذي وقع من بعد تلك الفترة إنما حدث في رأيي بسبب غياب علماء اللغة وانفراد غير اللغويين بالقول في رسم المصحف فبقي على ما كان عليه وأضاف النُّقَّاط بالحمرة والصفرة والخضرة أشياء بديلة للتحسينات التي كان ينبغي إدراجها بالسواد كما جرى مع ما قبلها، في حين كان الخطاطون المتميزون كابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي يكتبون المصاحف متبعين الرسم المستحدث الذي لا يُحذف فيه ألفات مدّ بصورة خاصة، وكان كبار أهل المعرفة لا يعترضون على صنيعهم، وفي مكتبات المصاحف العتيقة نسخ من تلك المصاحف.
الثانية: أنّ هذا الرأي هو المعروف والمشهور أو هو على الأقل مذهب العارفين والمحققين ... يفهم هذا صراحة من خلال قولك:
... في حين كان الخطاطون المتميزون كابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي يكتبون المصاحف متبعين الرسم المستحدث الذي لا يُحذف فيه ألفات مدّ بصورة خاصة، وكان كبار أهل المعرفة لا يعترضون على صنيعهم، وفي مكتبات المصاحف العتيقة نسخ من تلك المصاحف.
وبقي هذاالأمر حتى أعادت لجنة حفني ناصف وزملائه فكرة الرسم المنسوب إلى عثمان، ونفّذت طبعة المصحف الأميري المصري، وكان مع العودة تعديلات للرموز الملوَّنة فابتُدِعت الألف الخِنجرية بدلا من ألف المدّ الحمراء، والدائرة السوداء لتسهيل الهمزة بدلا من اللون الأصفر والشكل المعيَّن تحت راء مجراها للإمالة بدلا من لون آخر وهكذا أضيف إلى سواد المصحف سواد متعدد، وكانت الحجة صعوبة استخدام الألوان في المطابع آنذاك، وأُضفِيَت على هذا العمل صفة القبول لروعة الإخراج الطباعي حتى صار هو السنّة التي لا محِيد عنها في طباعة المصاحف مع إمكان استخدام ألوان لا حصر لعددها في الطباعة في أيامنا هذه!
والذي أعتقده والله اعلم وأحسب بل أجزم أنّه مذهب ليس المحققين من أهل العلم فقط بل هو مذهب جماهيرهم ـ حتى لا أقول أجماعهم ـ أنّ توقف مسايرة المصحف لتطور الكتابة العربية (من جهة رسم حروفه لا ضبطها) هو الأولى والأنسب والأصح وأنّ الذين طوّروا هذه الكتابة ورسموا المصحف وفق الكتابة المستحدثة أمثال: الخطاطون المتميزون كابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي قد شذوا عن جماهير المسلمين
أما الأدلة النقلية والنصوص عن الصحابة رضي الله عنهم وعن التابعين والأئمة وعلماء السلف والخلف في وجوب اتّباع رسم المصحف وحرمة تغييره وتعديله فكثيرة مشهورة لن أتوقف عندها
وأما الأدلة العقلية النظرية فقد ذكرت لك واحدا حسبته كافيا وشافيا وهو كون الصحابة ما قصدوا برسم المصحف مجرد الكتابة بل لهم مقاصد أخرى أهمّها وأوْلاها بالذكر ها هنا: أرادوا أن يكون الرسم جامعا لأحرف القرآن ورواياته ... يُعرف ذلك من خلال الاسقراء (راجع على سبيل المثال: الفتح الرباني في علاقة القراءات بالرسم العثماني للشيخ محمد سالم محيسن , إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1415هـ) ولأجل هذه العلة اتفقوا على أنّ موافقة الرسم العثماني ركن من أركان القراءة الصحيحة فلا تصحّ قراءةً ولا تقبل ولا يُتعبّد بها إلاّ إذا وافقت الرسم الأوّل ...
أما عن حجم النقط وكونه أدقّ من حجم رسم الإمام فأظنّ أنّ النظر في المصاحف القديمة يكفي لإثباته ... وعمدتي في ذلك أنّنا في بلاد المغرب الإسلامي لا نزال نكتب نقاط الإعجام برأس القلم والرسم بحافته ... ولا يزال المشايخ ها هنا يؤكدون أنّ الأمر مقصود ولم يأت هكذا اعتباطا سبهللا ... وقد نصّ غير واحد من أهل العلم في كتب الرسم والضبط أنّ التمييز بين ما رسمه الصحابة ووقع عليه إجماعهم وبين ما زيد على رسمهم واجب إن لم يكن باللون فبالحجم ـ والله اعلم بالحقّ والصواب ـ
... أعود فأقول نعم لو كان قصد الصحابة من الرسم مجرد الكتابة ... ربّما جاز اتّباع الرسم المستحدث ... ولكن الأمر أعظم وأكبر من مجرد الكتابة والله أعلم ...
ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[21 Oct 2010, 03:47 م]ـ
نعم لو كان قصد الصحابة من الرسم مجرد الكتابة ... ربّما جاز اتّباع الرسم المستحدث ... ولكن الأمر أعظم وأكبر من مجرد الكتابة والله أعلم ...
نعم، صدقت يا أخانا فيما قلت، فإن هذا الأمر يُعدّ بالفعل أعظم وأكبر من مجرد الكتابة
وبالمثل يظل سؤال أخينا الفاضل ماجد المطرود أكبر من كل الإجابات التى قيلت فيه حتى الآن
فالعجيب أن الأخوة الأفاضل الذين حاولوا الجواب عن سؤاله المطروح قد توسعوا بالجواب ليشمل مسألة الرسم ككل، بينما تركوا تعليل المسألة الواردة بالسؤال نفسه بلا تعليل يشفى الغليل، فضاعت تلك المسألة فى غمرة ذلك التعميم!!
والذى أراه أن الجواب الصحيح عنها يكمن فى ميدان آخر لا يراه أكثر الناس، ولكن قبل التصريح به أريد أولا أن أستطلع آراء الأخوة الأفاضل فيما ذكرته حول عدم ملائمة الأجوبة المذكورة للسؤال المطروح، وكونها لم تُقدم تعليلا مباشرا له بعيدا عن التوسع والتعميم
فهل توافقوننى على ذلك؟
وإذا كان لدى أحد الأفاضل اجابة عن السؤال المطروح فليقصره عليه وحده متجنبا التعميم
والسلام عليكم ورحمة الله
¥