تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوّلاً: لا ننكر أنّ الإمام الشاطبيّ قد نسب وجه الإبدال إلى النحويين ولكن لا يدلّ هذا أنّه غير مقروء به عنده بل ليس في كلام شرّاح الشاطبية المتقدّمين ما يدلّ أنّه غير مقروء به، فكلامهم يدلّ أنّه مذهب النحاة فحسب ففرق بين الأمرين فالأوّل لا يستلزم الثاني. ولو كانت العلّة في منع وجه الإبدال أنّه مذهب النحويين لامتنعت الرواية به مطلقاً وليس فقط من طريق الحرز، وحتّى لو قُرئ به من غير خلاف من طريق الشاطبية لبقيَ دائماً مذهب أهل النحو، فكونه كذلك لا يُغيّر شيئاً. ومّما يؤكّد ذلك أنّ مكي القيسي قال في كتابه التبصرة: "والنحويون يقولون إنّ الثانية ياء مكسورة" ولكنّه قال في كتابه الرعاية: "وإذا كانت الهمزة الثانية من الهمزتين مكسورة، وأصلها السكون، أُبدلت منها ياء خالصة في قراءة من خفّف الهمزة نحو {أئمّة}، لا تجعلها مثل {أئذا}، و {أئفكاً} بين الهمزة والياء، إنّما تُبدل منها ياءً محضة مكسورة، لأنّ أصلها السكون، لأنّه جمع إمام على أفعلة، وأصله أَأْممة، ثمّ أُعلّ بالإدغام، وإلقاء حركة الميم الأولى على الهمزة الساكنة فصارت مكسورة، فأُبدل منها ياءٌ خالصة مكسورة في التليين. فيجب على القارئ المجوّد لقراءته أن يُفرّق في لفظه بين {أئفكاً} و {أئمّة}، فيأتي بالثانية في {أئفكاً} وشبهه، إذا ليّن بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة، ويأتي ب {أئمّة} إذا ليّن بياء مكسورة خالصة، لأنّ الأولى أصلها الكسرُ، والثانية أصلها السكون، والساكن من الهمزة إنّما حقّه من التليين البدل". انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ووجه الإبدال هو المأخوذ به من طريق مكّي القيسي عند المتقدّمين كابن الباذش وصاحب القصيدة الحصرية، والجعبري والمنتوري وغيرهم خلافاً للمتأخرين الذين أخوا له بوجه التسهيل اعتماداً على كتاب التبصرة دون الاعتبار بقول مكّي القيسي في الرعاية.

ثانياً: لو كان وجه الإبدال ضعيفاً عند الإمام الشاطبيّ لضعّفه هو كما في {التناد}، {والتلاق} لقالون حين قال: وليسا لقالون عن الغرّ سبّلا.

ثالثاً: قول الشاطبيّ: والاخفش بعد الكسر ذا الضمّ أبدلا بياء وعنه الواو في عكسه. انتهى كلامه. أقول: الأخفش من علماء اللغة وقد نسب الإبدال إليه وهو صحيح مقروء به عنده، فلا فرق عندي بين هذه المسألة ومسألة الإبدال في {أئمّة}. فالعبرة في التصريح بضعف وجه الإبدال لا مجرّد نسبته إلى أهل النحو.

رابعاً: لو كان وجه الإبدال غير صحيح عند القراء لسلّمنا لكم ما تقولون، ولكنّه صحيح مقروء به ثابت بالرواية، وليس هناك ما يدلّ دلالة صريحة أنّه ضعيف من الشاطبية إلاّ نسبته إلى أهل النحو وهذا ليس سبباً على ضعفه إطلاقاً.

خامساً: ما ضعّف الإمام ابن الجزريّ وجه الإبدال من الشاطبية وسكوته دليل على ذلك، فعلى أيّ أساس ضعّفه المتأخّرون وسندهم يمّر على ابن الجزري وهو الأدرى بمصادر الشاطبية من غيره.

سادساً: طرق زيادات الشاطبية على التيسير مجهولة كما ذكر المتولّي، والحكم على الإبدال بأنّه ليس من طريق الشاطبية متوقّف على معرفة هذه الطرق والمصادر. فأطالب أخي الشيخ أبا تراب وغيره أن يحصروا لنا هذه المصادر ويُثبتوا لنا بالدليل أنّ الإبدال لم يرد فيها.

ثامناً: أتعجّب من أخي الشيخ أبي تراب كيف صرّح بأن وجه التسهيل هو الذي عليه العمل عند المغاربة مع أنّ كلام المنتوري وشيخه وكذا ابن المرابط أخذوا بوجه الإبدال. قال المنتوري (ت834) في شرحه على الدرر: "وذكر الأدفُويّ في الإبانة، ومكي في الرعاية والكشف، وابن سفيان في الهادي، والمهدوي في الشرح، وابن شريح في الكافي والتذكير، وابن شعيب في الاعتماد، وابن مطرّف في البديع، وابن الطفيل في الغنية، إبدال الثانية من {أئمّة} ياء محضة، وقال الحصريّ في قصيدته:

ولا بدّ من إبدالها في أئمّة ...... فصَحْوَكَ إنّ الجاهلين لفي سُكْر.

قلتُ – أي المنتوري- وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الرحمن القيجاطي رضي الله عنه يأخذ من طريق الداني في {أئمّة} لنافع، وابن كثير وأبي عمرو بياء خالصة، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ. وقلتُ له: تأخذ في مذهب أهل التخفيف من طريق الداني بالإبدال، وهو قد نصّ على التسهيل بين بين، وأخبر أنّه مذهب القراء؟ فقال لي: نصوص المتقدّمين من القراء في {أئمّة} محتملة، فينبغي أن تحمل على الإبدال، كما حملها الكثير من المتأخّرين لأنّ سيبويه منع فيها التسهيل بين بين.". ثمّ قال المنتوري: واعلم أن أنّ ثلاثة من المقرئين سبقوا شيخنا رحمه الله فأخذوا في أئمّة من طريق الداني لأهل التخفيف بإبدال الثانية ياء خالصة، أوّلهم ابن الباذش، قال في الإقناع: إنّ حكم التخفيف في {أئمّة} عند النحويين والقراء الإبدال ياءً محضة، لأنّها من كلمة واحدة. قال – أي ابن الباذش- وهكذا نصّ عليه سيبويه، وثانيهم أبو بكر القرطبي، قال في أرجوزته: ولكنّ في أئمّة حيث ورد ........ فأخلص الياء هُديتَ للرّشد. وثالثهم برهان الدين الجعبريّ، ذكر في قصيدته أنّ نافعاً وابن كثير وأبا عمرو، قرءوا {أئمّة} بالياء." انتهى كلام المنتوري عليه رحمة الله تعالى (1/ 280،281).

وقال ابن المرابط (ت552) في كتابه التقريب والحرش المتضمّن لقراءة قالون وورش: "وأمّا قوله: {أئمّة} حيث وقع فيجوز أن تُجعل الهمزةُ الثانية ياء مكسورة كسرة خالصة، وهو مذهب النحويين، ويجوز أن تُجعل بين الهمزة والياء كما يُفعلُ في مثل {أئذا} و {أئفكاً} وما أشبه ذلك وهو مذهب القراء." (ص91). أقول قد سلك ابن المرابط في كتابه التقريب طريق الداني في كتابه التيسير وقد أثبت وجه الإبدال من طريقه وهو من قدماء المغاربة.

تاسعاً: كيف يقول أخي الشيخ أبو تراب:"أحببت من خلال هذه المشاركة، الوقوف على بعض الجزئيات التي تعرَّض لها الأستاذ محمد يحي شريف، في هذا البحث القيِّم المحكم، فقد أجاد وأفاد وما ترك من شيء يزاد، جعله الله في ميزان حسناته ".

وهو ما ترك شيئا إلاّ وخالفني فيه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير