تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنها أيضا أنه حين ذكر الطبقة الذين نسبت إليهم الأعداد بأسمائهم، في كل مصر من الأمصار التي فيها عدد معين قال: (فهؤلاء هم الذين تصدَّوا لتعليمه، فاشتهر عنهم، ودار عليهم مع ما انضم إليهم من الحفظ والضبط والدين، مع سلامة العقائد، وحسن السيرة دون من فوقهم وتحتهم في سلسلة السند، ولو عزي إلى غيرهم منهم لكان صوابا؛ كما كان أمر الأئمة السبعة الناقلين /ظ135/ لوجوه القراءات)، فقد ذكر أن السند متصل بهم مِن مَن تحتهم، وذكر مَن فوقهم أيضا تنبيها على ذلك.

وأيضا فإن كتبه الأخرى تشهد بأنه يرى التوقيف في هذا العلم، فإنه يقول في قصيدته: (عَقْدُ الدرر في عدد آيات السور)، وهي لا زالت مخطوطة، قال:

وعرَّفنا وقف النبي فواصلا لِلاَي [31] فلا تقتس، وبالنقل ذا اقتد

وأيضا ففي مقدمة كتابنا هذا في أغلب النسخ يذكر في البداية أبياتاً هي من نظمه لتصريحه بأنها له، وهي عادة عنده أن ينظم بيتين أو ثلاثة يذكر بها كتابه، فقد قال في معظم نسخ مخطوطات هذا الكتاب:

وعرَّفنا المصطفى وقفَه فواصل آي الكتاب الرشدْ، وليس قياسا فلا يُبتدع ..........

ومن الأدلة على أنه يرى التوقيف: أنه قصد بالقياسي العلامات والقرائن التي يستدل بها على رأي معين، والدليل على ذلك قوله في مبحث المكي والمدني، إنه يعرف بطريقين: سماعي وقياسي، ثم لما جاء عند القياسي ذكر العلامات والقرائن التي نعرف من خلالها مكان نزول السورة، ومعلوم أن الثاني ليس مصدرا، بل طريق مفيد في الترجيح حال الخلاف.

وأما الذي أَحدث اللبس في فهم كلامه فهو: أن الزركشي والسيوطي نقلا جزءاً من كلامه، فأخذه أغلب المتأخرين من كلاميهما، وفهموه على ظاهره؛ فوقع التلبيس، وهذه ليست القضية الوحيدة التي فُهم فيها كلام الجعبري على غير قصده، وسيأتي في الكلام على مشبه الفاصلة وعكسه قريب من هذا؛ كلام أيضا. والله أعلم.

...

المذهب الثاني: القائلون بالاجتهاد:

رأسهم وإمامهم هو الإمام أبو بكر الباقلاني في كتابه (الانتصار) فقد قال رح1: "بل نقول إن رسول الله صل1 لم يَحُدَّ في عدد آيات السور حَدَّاً، وقَفَهم عليه في ذلك على شيء، ولا كان هو صل1 يَعُدُّ ذلك ... " [32].

ولم أعرف أحدا بعده قال بمثل هذا، بل إن قوله لم ينص عليه أحد ممن بعده، ولولا كتابه المطبوع لضاع قوله، لعدم نقل قوله عند أحد ممن اعتنى بهذا العلم.

والباقلاني ليس صاحب آثار كما يدل عليه كتابه، بل يغلب عليه الرأي والمناقشة، وهو قوي الحجة فيما يقصد، وإن كان لا يستدل بالآثار إلا قليلا، بعكس الداني الذي يكثر من الاستشهاد لما يقول.

...

الحجج والاستدلال:

الحجة الوحيدة التي ذكرها هي قوله رح1: "لو كان صل1 قد نصّ لهم على عدد الآيات ... كبيانه للقرآن نفسه ... لوجب في مستقر [33] ظهور ذلك عنه، وتوفر الدواعي والهمم على ضبطه وذكره وحراسته وتقييده ... ولارتفع الخلاف عليهم في ذلك والنزاع ... فإذا لم نعلم ذلك ... علمنا أنه لا نصّ كان منه على هذا الباب" [34].

ثم أورد عن عبدالله بن مسعود [35] قال: "تمارينا في سورة من القرآن، فقال بعضنا: خمس وثلاثون، وقال بعضنا: ست وثلاثون، فأتينا رسول الله صل1 فتغير لونه، وأسرَّ إلى عليّ رض1 شيئاً فسألنا عليا: ما قال رسول الله صل1؟ فقال: (إن الله يأمركم أن تقرؤوا كما عُلِّمتموه) [36] ".

واستنتج من الخبر السابق: "أنه لم يأمرهم بعدّ الآي بل نهاهم عنه إذ ذاك ... أو أطلقه لهم وَوَكله إلى آرائهم وما يؤديهم الاجتهاد إلى أنه فصل وموضع آخر الآية"، ثم ردَّ الخبر بأنه آحاد ولا يوجب علماً [37].

ثم افترض سؤالاً من الخصم يقول له: "أفتجوِّزون أن يكونوا قد كانوا يعدُّون إذ ذاك، قيل: يجوز ذلك".

ثم سؤالا آخرَ إن كان عدّهم متفقا أو مختلفاً؟، فأجاب أنه يجوز أن يكونوا عدوه عددا متفقا من غير أن ينص لهم الرسول صل1 ذلك، ويجوز أن يكونوا عدّوا على عصر الرسول صل1 عند القراءة عليه عدّا مختلفا، وعرضوه على الرسول صل1 وعرف اختلافهم فيه، وأقرَّهم على جميعه وسنح [38] لكل واحدٍ منهم العمل بما غلب على ظنه.

ويجوز أيضا أن لا يكونوا تشاغلوا بعدد مختلف في زمن الرسول صل1 بل أقبلوا على حفظ القرآن فقط على سياق آيات سوره، وتعرُّف أحكامه وحلاله وحرامه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير