تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم أورد اعتراضاً فقال: "فكيف يجوز أن يُخلِّيهم الله - سبحانه وتعالى - من نصٍّ لهم على عدد الآي ومواضع الفصول التي هي عنده وفي معلومه - سبحانه وتعالى - أنها مواضع الفصول؟ "؛ فرَدَّ على ذلك بأنه ترك ذلك حتى لا يشقّ عليهم ويشغلهم عن حفظ القرآن [39].

ثم بين سبب أخذه هذا الموقف فقال بعد أن تكلم عن معنى الآية والسورة وأنَّ هذا ليس من قصده فيما يريد، فقال: "ولأنه ربما مست الحاجة إلى ذكره ومعرفته في خطاب القوم [40]، وإنما قصدهم ما قدّمنا ذكره من دعوى النصوص على الآيات، وذهاب الأمة عن معرفتها؛ ليسهِّلوا بذلك سبيل القوم بنص الرسول صل1 على قرآن قد ذهب علمه على الأمة ولم ينتشر ويظهر نقله، وقد بيَّنا فساد ما ظنوه بما يوضح الحق إن شاء الله" [41].

ولم أرَ له حجة فيما ذهب إليه، وقوله إنه لم يشتهر، فإن بعض العلوم التخصصية في شتى العلوم تخفى على من لم يتعلمها، أما الأثر الذي ذكره فقد رواه الداني واستدل به على تعليم الرسول صل1 للصحابة عدد الآيات، وأنَّ كل واحد يقرأ ويحسُب كما علِّم.

أما كلامه الآخر فأنت تراه يجوِّز الأمر ونقيضه، والأمور في خلاصة الكلام عنده، أن كل شيء يجوز، وليس من تعليل واضح، إلاّ خوف الكلام من الملحدين ومن نحى نحوهم، بأن في نقل آيات القرآن خلافاً، وأن اختلافهم في عدد آيات السور دليل على عدم ضبطهم للنقل، وإذا أعوزتنا الحجج إلى أن نرفض كل شيء خوفا من النقد، فماذا يبقى؟؟.

مع أن المؤلف قد ذكر باباً بعنوان: " الكشف عن وجوب ترتيب آيات السور، وأن ذلك إنما حصل بالنص والتوقيف دون الاجتهاد، وأنه ليس لأحد أن يخلط آيات السور بغيرها ولا يضع مكان الآية غيرها مما قبلها أو بعدها" [42].

فمعنى ذلك أنه يثبت آيات مفصولة عن بعضها في السورة الواحدة فكيف عُرِف ذلك؟ وأن السور آيات مرتبة، لا يجوز تقديم بعضها على بعض، وهذا يدل على أنه يجب أن تكون الآية معلومة عندهم، بداية ونهاية، حتى لا تتداخل مع آيات أخرى، فتأمل.

...

المذهب الثالث: القائلون بدخول الاجتهاد في بعضه قياسا وردَّاً إلى التوقيف:

وعليه عمدتا الفن عند المتأخرين، مع ذكرهم عبارات تقول بالتوقيف، وهما الشيخ: عبدالفتاح القاضي [43]، والشيخ: عبدالرازق موسى [44]، مع أنهما يذكران أنه توقيفيٌّ، وأشكل عليهم كلام الجعبري فيه، وقد قدمنا بيانه [45]، وقول الشاطبي في قصيدته (ناظمة الزهر):

ولكن بعوث البحث لا فُلَّ حدُّها على حدِّها تعلو البشائر بالنصر

والشاطبي قبل هذا البيت بأبيات ذكر أربعة من أدلة التوقيف ستأتي في المناقشة والاحتجاج [46]، والشيخ القاضي رح1 قد شرح أدلة التوقيف شرحا وافيا، إلاّ أنه في شرح هذا البيت قال: "لما قدَّم المصنف أن عدد الآي ثابت بالتوقيف واستدل عليه بما تقدم، وكان ذلك موهما أن هذا العلم نقليٌّ محض لا مجال للعقل فيه، استدرك لدفع هذا التوهم فبيَّن أن ليس معنى كونه نقليا أن جميع جزئياته كذلك، بل معنى ذلك أن معظمه نقلي، وقد استنبط منه قواعد كلية ردّ إليها ما لم يُنَصَّ عليه من الجزئيات بالاجتهاد، فقال: ولكن بعوث البحث".

فأنت ترى في كلام الشيخ رح1 أنه يتكلم عن علم العدد ككل، ولا يتكلم عن اختلاف الأئمة في عدد الآيات، فإنّ هناك جزئيات من هذا العلم، اجتهادية، وهو ما كررته كثيرا من أنه: ما يشبه الفاصلة وليس معدوداً بإجماع، وقوله إنّ معظمه نقلي يرجِّح ذلك، فإن هذا المعنى واضح من كلامه ولعله الذي قصده، ثم إن الشيخ: عبدالرازق موسى نقل آخر كلامه دون أوله، فأوهم الاضطراب.

وزيادة على ذلك فبيت الشاطبي غير ناطق بما قاله الشيخ رح1، مع أنَّ أقصى ما يستخرج منه، أن البحث في هذا العلم عند العلماء، أوجد أشياء، من مثل الطرق التي تُعْرَفُ بها الفواصل، والاستدلال للنقل بها، كما قال المخللاتي، أمّا أن يكون معنى هذا البيت كما شرحه الشيخ فلم استطع الاهتداء إلى وجه هذا الشرح، إلا إن وجِّه بما في الفقرة السابقة، مع أن القول الوجيز للمخللاتي شَرْحٌ للقصيدة وقد شرح البيت مع أبيات معه، كما قدمت، ولو أنه وجد في بيت الشاطبي ما يدل على ما فهمه الشيخ القاضي، لذكره، بل إنه لم يتقدم القاضي من صرح بمثل ما صرّح به على حسب المصادر التي معي، والجعبري لم يصرح بقولهم، وإنما شرح مقصده ووضحه، لكن عباراته صعبة تحتاج إلى إعمال فكر، وقد بينتها، وسيأتي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير