تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مزيد توضيح في نص الكتاب والتعليقات عليه.

ثم إن الشيخ القاضي في شرحه لما ذكر الناظم مصدر الأعداد أكد أنها توقيفية، ولم يذكر ولو طرفا من الجزئيات التي ليست توقيفية أو أنها راجعة للاجتهاد.

فإن كان مقصد الشاطبي مثل مقصد الجعبري، فواضح وهو أن بعض المباحث في هذا الفن اجتهادية، وهذا لم ينازع فيه أحد لا من المتقدمين ولا من المتأخرين، وذلك من مثل قولهم: ما يشبه الفاصلة وليس معدوداً بإجماع، فمعلوم أن هذا يأخذه العلماء مِنْ تَتَبُّعِ آيات القرآن، فوجدوا أن هذه تصلح أن تكون فاصلة ولكنها لم تعد، فيذكرونها، والدليل أنها اجتهادية اختلافهم فيها، فبعضهم يرى أن هذه اللفظة تشبه الفاصلة، والآخر لا يرى ذلك بل يرى لفظة أخرى، وقد فصَّلت الكلام عليها في فرش السور من تعليقاتنا عليه.

فإن كان مردّ القول إلى ما ذكرته من أبواب لا يزعم أحد أنها توقيفية وقد دخلت في هذا العلم للتوجيه، والمقارنة وزيادة الضبط؛ فنعم، والشيخ لم يفصِّل في أدلة أن بعضها جزئية، إذ هي غير معلومة ولا موضحة في كتبهم.

ومما يزيد اليقين عندي أن الشاطبي إنما قصد بقوله هذا بعض المباحث الزائدة في علم العدد، أن الجعبري حين ذَكَر قريباً من هذا الكلام وضَّحه وبيّنه في كتابه هذا، ولكنه في قصيدته في عد الآي لما لم يذكر مباحث اجتهادية أطلق القول بالتوقيف فقط، والشاطبي في قصيدته قد أدخل في نظمه ذكر: باب ما يشبه الفاصلة وليس معدودا بإجماع، وهذا ليس توقيفياً، فكأنه عنى بقوله السابق في البيت هذا الأمر الذي أدخله في قصيدته وهو اجتهادي.

ومن كل ما تقدم، فأنا أحمل كلام الشيخ القاضي؛ على ما قدّمته من أنه يعنى بدخول الاجتهاد فيه المباحث الزائدة في العلم ككل والتي ليست توقيفية، ولما كان الشيخ عبدالرازق موسى ناقلا عنه، فليس له رأي جديد، وعليه فيُحمل كلامه على كلام الشيخ القاضي، فتكون النتيجة أيضا أنهما يريان التوقيف، والله أعلم.

...

المناقشة والاحتجاج:

الرأي الثاني لم أر من صرح به غير الباقلاني، فهو رأيُ واحدٍ، وسأناقشه مع الرأي الثالث، وأيضا فإن المؤلفين في كتب العدد لم أطلع على أحد منهم ذكر هذا القول.

وأما من يقول بدخول الاجتهاد فيه فإنه يُشْكِل عليهم عدم قدرتهم على تمييز ما كان منه توقيفياً، وما كان منه اجتهاديا، إلا إن كانوا يقصدون بعض مباحثه، وهل علماء العدد الذين رَوَوْهُ، اخترعوه من عند أنفسهم وقالوا به؟، كيف وقد ترتب على معرفة رؤوس الآيات أحكام في القراءات من إمالة وغيرها، وفي الفقه من إجزاء ثلاث آيات قصيرة أو آية طويلة عند من يوجب قراءة شيء بعد الفاتحة، أو الخطبة أو التعبد بقراءة عدد معيّن من الآيات في القيام من الليل.

فإذا قلنا بالاجتهاد في معرفة رؤوس الآي، أجزنا أيضا دخول الاجتهاد في القراءة، ولا قائل به؛ لأنه طَعْنٌ على التواتر في نقل القراءة. وإن قالوا إن معرفة رؤوس الآي التي تدخلها الإمالة، من القسم الذي عُلِم بالتوقيف، طلبنا منهم الدليل على ذلك، وما هو الضابط الذي نفرق به بين ما ورد اجتهادا وما ورد توقيفا؟.

و يُشْكِل عليهم أيضا ورود الرواية به بأسانيدها، فإن كان اجتهادا فلماذا يتفق جميع من ألَّفَ في هذا الفن على مجمل مسائله دون خلاف فيها؟، وإن كانوا حال نقلهم له يعلمون أنه اجتهاد فلماذا نُسب إلى الأمصار التي أرسل إليها عثمانُ المصاحفَ؟. ومَن الذي سوَّغ لهم الاجتهاد ورَضِيَهُ وقَبِلَهُ؟، ثم نرى الأمة كلها تتبع أفرادا في ما قالوه وتؤيدهم فيما نقلوه، ولا تخالفهم، ويأخذه الخلف عن السلف، حتى إنّهم نقلوا ما اختلف فيه عن إمام بعينه، نقلا في الغالب مجردا عن التعقيب، ولم يختلفوا عنهم في شيء منه، مع علمهم أنه اجتهاد منهم لا يلزمهم متابعتهم فيه، فكيف يختلفون في مسائل فقهية فيها آثار، ويتفقون في نقل قضايا اجتهادية يُسَلَّمُ لأصحابها بها دون مخالف لهم أو اعتراض عليهم، على مرِّ تاريخ الأمة الطويل؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير