تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمَّا إيرادهم في إبطال مذهب التوقيف، أنه لو كان توقيفياً لما ورد فيه خلاف، فيُرَدُّ عليه بوجود الاختلاف في القراءات، فإذا قالوا إن اختلاف القراءات للتسهيل على الناس، قيل وكذلك الاختلاف في عد الآي من التسهيل مثله، وأيضا فإن هناك أحكاما شرعية نُقِلَتْ فيها أقوال وصفات مختلفة عن النبيصل1، ولم يُبطلْ أحدٌ الأقوال أو الصفات لورود الاختلاف، فمن ما ورد الاختلاف فيه من الأقوال: الاختلاف في صيغة دعاء الاستفتاح في الصلاة، ومن الأعمال: نقلهم الاختلاف في أداء صلاة الخوف، فكل أدى ما سمع وما رأى، فلا يتوجه الطعن بتعدد النقل في الأقوال.

ومن كل ما تقدم يرى الباحث أن هذا العلم توقيفيٌ، مُتَّبِعًا في ذلك جماهير علماء العدد وغيرهم، وعلى رأسهم الإمام الداني، ويُجمِلُ الحجج فيما يأتي:

1 - الاجتهاد لا يلزم فيه اتباع أبداً، بل يُلزِم صاحبه دون غيره.

2 - القائلون بأن أصول مسائله توقيفية ويقاس عليها غيرُها، عاجزون عن تمييز أحدهما عن الآخر عجزا واضحا، فلم يُنْقل عن أحد ممن ألَّف فيه تمييزه لأحدهما عن الآخر.

3 - القائلون بأنه كله علم اجتهادي، لم يقل به إلا الباقلاني، ولا متابع له فيما أعلم، على أنه رح1 لم يكن ممن تفرغ لعلوم القرآن وعُرف بها؛ بل اشتهر عنه الدفاع عن الإسلام في وجه فرق الضلالة، والمدافع غالبا ما يتنازل ليفحم الخصم، وإنما يُقدَّم كلام صاحب الفن في فنِّه، لأنه أعلم به من غيره.

4 - تَعَلُّقُ بعض أوجه القراءات بمعرفة رؤوس الآي، والقراءات توقيفية، فكيف تُعلَّقُ بأمر اجتهادي.

5 - تَواترُ جميعِ من أَلَّفَ في علم الفواصل على نقل الاختلاف عن علماء العدد بغير زيادة ولا نقص بينهم أجمعين، مما يعنى أنها قضايا مسلَّمة تُنقل كما رُويت مع خلافها، فلا يدخلها اجتهاد.

6 - أن القائل بالتوقيف هو من أوائل المؤلفين في علم العدد، بل وكان يُسنِدُ جميع ما يقوله فهو ناقل عن غيره، ليس له فيما نقل حظ، إلا مجرد أداء الأمانة على وجهها، ولو كان في الأمر اجتهاد لما كلف نفسه عناء نِسبةِ الخلاف فيه إلى الرسول صل1، مع علمه اليقيني بقوله صل1: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) [47].

7 - قد ثبت العدد في آيات شديدة التعلق بما بعدها من ناحية المعنى، ولو كانت رؤوس الآي اجتهادية، لكان أدنى من له حظ من عِلْمٍ أن يُنْكِرَ ذلك، ويوجب الوقف على معنى تام، من مثل نقلهم الوقف على قوله - سبحانه وتعالى -: (((وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ))) [48] هنا رأس آية مع التعلق الشديد بما بعدها وهو قوله (((وَبِالَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ))) [49]، فلو كان اجتهادا منهم فكيف يسع غيرهم موافقتهم عليه، وما الذي يُجْبِرُ غيرهم على متابعتهم فيه وقد علموا شدة التعلق، والأمثلة كثيرة ويكفى ما يوضح المقصود.

8 - وبعكس السابق فهناك آيات تصلح أن تكون نهاية آية، ومع ذلك لم تكن كذلك، وهذا ما حدا بالمؤلفين في هذا العلم إلى إدراجها في باب خاص، سمَّوه: ما يشبه الفاصلة وليس معدوداً بإجماع [50]، فالمتأمل فيها يجدها مشابهة لأواخر آيات السورة ومع ذلك لم تُعَدَّ، فإذا كان الأمر اجتهاديا كان الأقرب عدّها لشدة شبهها بآيات السور، فعُلم أن عدم عدّها مع قوة الشَّبَهِ بأواخر الآيات دليل على التوقيف في هذا العلم.

9 - ومن الأدلة ورود آيات قصيرة، بل على كلمة واحدة، مخالفة لبقية آيات السورة فتأمل معي سورة البقرة، تجد أن آياتها من الطوال، ثم تأمل أول آية فيها تجدها بنيت على (((الم))) [51]، فما الذي جعل بعضهم يعدها والبعض لا يعدها إلا وجود تعليم في المسألة، يخرجها عن أن تكون اجتهادية.

10 - ومن الحروف المقطعة الموجودة في أوائل السور ما هو معدود، وبعضها ليس معدودا، فنجد أن قوله - سبحانه وتعالى -: (((المص))) [52] معدودة، بينما نجد أن قوله - سبحانه وتعالى -: (((المر))) [53] ليست معدودة عند الكوفيين مع أنها مثلها في عدد الحروف وفي وزن الكلمة، ومع ذلك فإحداهما معدودة والأخرى ليست كذلك وتجد قوله - سبحانه وتعالى -: (((طس))) أول النمل ليست معدودة، بينما تجد قوله - سبحانه وتعالى -: (((يس))) [54] وهي على وزنها في كل شيء معدودة، فلا يكون ذلك إلا من توقيف قطعاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير