11 - قد كان النبي صل1يخاطب أصحابه بمثل قوله - عليه السلام -: (من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه) [55]، وفيما رواه مسلم من قوله - عليه السلام -: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثم أدركه الدجال لم يضره) [56]، وغيرها كثير من الأحاديث التي تدل على فضيلة قيام الليل بعدد معين من الآيات، فكيف يجوز عقلا أن يخاطب النبي صل1 أصحابه بشيء لم يُوقِفْهم عليه قبل ذلك؟، كيف وقد عُلِم أنّ ذلك سيدخل في باب التكليف بغير المعلوم والمقدور عليه، وقد علمنا أنه حين قال لهم ذلك لم يحتاجوا أن يسألوه عن نهاية العشر آيات والآيتين وغيرهما، بل فهموا مقصوده وعملوا به، فعلمنا أنهم عالمون بما يقوله صل1.
12 - وإذا قيل إن معرفة الفواصل إنما كان من سماعهم لقراءة النبي صل1، فما وصله عدوه كله آية، وما فصله عدوه آيات، بغير إعلامٍ منه صل1 لهم، أَشْكَلَ عليهم الآيات الطويلة فكيف اتفقوا على عدِّها آية واحدة مع أن الإتيان بها في نَفَسٍ واحد شاق وعسير علينا، فعُلِم أنهم قد علِموا منه نهايات الآيات وبداياتها.
13 - اهتمام السلف والخلف بالوقوف، وقولهم إن الوقف على رؤوس الآي سنة، من مثل ما في (شُعَب الإيمان) [57]، فأي سنة هي لو لم تكن سنته صل1 وسنة أصحابه بعده، وكيف سيطبقون هذه السنَّة لو لم تكن معلومة لديهم [58].
14 - تعليل بعض العلماء كون هذه الآية معدودة أو غير معدودة، وكلامهم على طرق معرفة الفواصل "لا يكون مانعا لورود التوقيف فيه، إنما هو تعليل بعد الوقوع، لأن جانب التوقيف راجح في هذا الفن، والتوجيه إنما يؤتي به لدفع الشبه كما يكون في توجيه القراءات والرسم" [59].
...
وإنما أطلت الكلام في هذا لأني لم أر من وفَّى النقاش حقه فيه، والذي لاحظته أن الشيخ عبدالرازق موسى كان يرى التوقيف، كما ذكره في كتابه المحرر الوجيز، ثم جنح إلى القول الثالث؛ وهو أن فيه اجتهادا وتوقيفا، إلا أن الاجتهاد فيه "هو ردُّ الجزئيات التي لم ينص عليها إلى ما نص عليه، صحَّ أن يقال إن هذا العلم نقلي" [60]، وهذا نقل عن الشيخ القاضي، بل إن المتتبع لكلامهما يلحظ هذا الاختلاف، حيث إنّهما يقولان بالتوقيف، والراجح أن مصدر هذا هو كلام الجعبري حول طرق معرفة الفواصل، وقد تقدم بيان ذلك [61].
وإذا كان هذا ما أيدته فإنما قلت ذلك بما ترجح لدي واقتنعت به، ولا أدَّعي فيه العصمة من الخطأ، وحسبي أني فيه متبع ولست مبتدعا، وإنما أطلت الكلام لمّا رأيت مَنْ فهم كلامهم على ظاهره، وأن الخلاف بين علماء العدد فيما اختلفوا فيه؛ يكون فيه اجتهاد، ومن خلال كثرة قراءتي لأقوالهم ومطابقتها على أقوال الأئمة السابقين، لم أجدهم يختلفون عنهم، والله أعلم، وهو حسبي ونعم الوكيل.
...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــ الحواشي ــــــــــــ
... [1] انظر ص: 17 وما بعدها.
... [2] أنظر ص: 149 وما بعدها.
... [3] وضع علامة بعد كل خمس آيات.
... [4] وضع علامة بعد كل عشر آيات.
... [5] البيان للداني: 39 - 40.
... [6] محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر القاضي المعروف بابن الباقلاني، المتكلم على مذهب الأشعري، إمام عالم كثير التصنيف، مع دين وورع، من الأذكياء، له: الانتصار للقرآن، توفي: 403هـ. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 5/ 379، سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 190) [7] ص: 226 وما بعدها.
... [8] البيان للداني: 70.
... [9] جمال القراءللسخاوي: 2/ 562 - 565.
... [10] محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي، الزمخشري، إمام كبير في التفسير، والنحو والبيان، كان داعية إلى الاعتزال، حجَّ وجاور وتخرج به أئمة، له: الكشّاف تفسير، توفي سنة: 538هـ. (سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 151، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد، ابن خلكان: 5/ 168، دار صادر، بيروت لبنان، (د، ت)، تحقيق: د. إحسان عباس)
... [11] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري: 1/ 140، مكتبة العبيكان، 1418هـ-1998م، الطبعة الأولى، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض، ونقله السيوطي في الإتقان: 1/ 181.
¥