وأقول: مسألة أن اللام مع التاء متباعدان هذا غريب حقا فهل يدغم أحد من القراء لسبب البعد؟!! هذا ما لم أجده أبدا (فأسباب الإدغام: التماثل، التجانس، التقارب) وفي قراءة من يدغم هل في التاء ليس السبب البعد مما يؤكد أن العلة في الإظهار ليس كما يقول الملا على وسبقه إليه أبو شامة أنها بعد المخرج وإذا جاز لنا أن نبررعلة الإدغام في ال لكثرة ورودها في القرآن فإن هذه العلة مفتقدة في نحو (هل , بل) ومن ثم لا يعجبني أن سبب الإظهار في لام الفعل مع التاء بعد المخرج.
وللصفاقسي رأى في علة عدم إدغام لام الفعل في النون بينما تدغم في ال إذ يقول:
(تدغم النون في نحو: (الناس) ولا تدغم في الفعل نحو (أرسلنا)
لأن الفرق بينهما: أن سكون اللام في القسم الثاني عارض , إذ هو فعل ماض وهو مبني على الفتح اتفاقا لكن لما اتصل به ضمير الرفع البارز سكن تخفيفا وفي القسم الأول السكون أصلي لأن ال حرف مبني على السكون وما كان سكونه أصليا فهو متهيئ للإدغام أكثر مما سكونه عارض. أ. هـ تنبيه الغافلين الصفاقسي
وقد أجاد عبد الوهاب القرطبي في عرض المسألة لذا أحببت أن أختم به إذ يقول ـ رحمه الله ـ: (والعلة في وجوب إظهار هذه اللام مع النون ومخالفتها غيرها أن اللام من حقها في الأصل أن لا تدغم في النون لتباعدهما في الخاصية، فإن اللام لها مزية على النون بانحرافها وسعة مخرجها وإنما أدغمت فيها لام التعريف لأنها كثرت بدخولها على كل نكرة يراد تعريفها واتحدت بما بعدها وسكنت في الأصل لما أريد من تحصينها وصيانتها عن الحذف ولذلك جعلت أولا فوجب لها الإدغام باجتماع الكثرة والسكون والاتحاد لأن ذلك يقتضي التخفيف ولهذا المعنى أدغمت في الحروف التي ذكرناها ولم تدغم في غيرها إذا كانت أصلا أ. هـ الموضح في التجويد
.
قلت: حقيقة ما اختلفت أقوال الأئمة في مسألة كمسألة تعريف القرب والبعد.
وقدعقد عبد الوهاب القرطبي مقارنة بين لام ال ولام الحرف هل وبل فقال: (أما لام هل وبل وما أشبههما فإنها وإن كانت ساكنة في الأصل إلا أنها لم تكثر كثرة لام التعريف ولا لزمت ما تدخل عليه لزومها لأن هل وبل يمكن السكوت عليهما مفردتين عما بعدهما فقربت من وجه وبعدت من وجه فلذلك جاز فيها الإدغام وتركه.
أما هذه اللام أعنى لام الفعل إذا وليتها النون فإن الأسباب الموجبة للإدغام في لام المعرفة ولام هل وبل تكون معدومة معها لأن لام الفعل لم تكثر كثرة لام التعريف ولا لزمها السكون لزومه لام التعريف ولام هل وبل، لأن لام الفعل قد وجبت لها الحركة في صيغتي الماضيوالمستقبل ولا وجد فيها من الاتحاد بما وليها ما وجد في لام التعريف لأن لام الفعل قد تليها الأسماء المظهرة في الأكثر والضمائر المنفصلة فقد فارقت هذه اللام لام المعرفة في التحاد والكثرة وفارقت لام هل وبل في السكون اللازم فقبح الإدغام ووجب الإظهار والرجوع إلى الأصل لذلك البعد والمفارقة. أ. هـ الموضح في التجويد
تنبيهات
ينبغي الاحتراز من ثلاثة أمور عند نطق اللام الساكنة المظهرة:
أ ـ إهمال بيان الإظهار في ذلك فإن قوما يهملون بيان إظهار اللام فيدغمون فيقولون: في نحو (أرسلنا) (أرسنّا) لأن اللسان يسارع إلى الإدغام لقرب المخرجين والإدغام أخف على اللسان.
ب ـ الإفراط والتعسف في بيان الإظهار فإن قوما يتعسفون فيه فيحركون (يقلقلون) اللام الساكنة مبالغة في بيان الإظهار وذلك لحن.
ج ـ السكت على اللام وقطع اللفظ عندها إرادة للبيان وفرارا من الإدغام وهذا يفعله بعض العامة
وكل هذا غلط يجب اجتنابه. أ. هـ المفيد في شرح نونية السخاوي لابن أم قاسم المرادي , وانظر: الموضح لعبد الوهاب القرطبي
وأقول: إذا علمت هذا فلا تعول على كلام الملا علي القارئ ـ رحمه الله ـ عند شرحه لبيت ابن الجزري:
واحرص على السكون في جعلنا ... أنعمت والمغضوب مع ضللنا
إذ نقل عن المصري ـ أحد شراح الجزرية ولا أعرف اسمه ـ قوله: فيجب التحفظ بإظهارها مع رعاية سكونها لا كما يفعلى بعض الأعاجم من قصد قلقلتها.
وقد علق الملا علي هذا الكلام قائلا: (ليست اللام من حروف القلقلة فإن حروفها (قطب جد) لا حروف القلقلة سبعة كما توهم المصري من الذهول والغفلة. أ. هـ المنح الفكرية
¥