[الرسالة العتابية]
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[08 Mar 2005, 09:24 م]ـ
الكتاب الكتاب إذا أردت العتاب
إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة
رضي الله عن صحب محمد صلى الله عليه وسلم، فما أسرع أن أشرب الإيمان قلوبهم وسرى في جوارحهم، فعاشوه واقعا في حياتهم , فقل عتابهم فيما بينهم وكملت مروءتهم , وسادوا الدنيا بعدلهم وإنصافهم وتمام أخلاقهم , فكان كل واحد منهم تاريخ من التاريخ , ووجها مشرقا يمتد نوره حتى يومنا هذا، نتذكرهم بإعظام وإجلال، نتذكر حياتهم وإخوانياتهم ومودتهم فيما بينهم، فينتابنا الحياء تارة لبعد الشقة فيما بين حالنا وحالهم , وتارة تنسكب العبرات لغياب تلك المثل والهمم الباسقات عن واقع حياتنا اليوم، وعن ضمائر اخوتنا وتكلف مودتنا ولاحول ولاقوة إلا بالله.
وأشهد مالذ على خاطري وملأ سمعي ولم ينبؤ عنه بصري , من وصف لهم ولعمق أخوتهم، كماوصفهم رب العالمين في كتابه العظيم في غير ماآية، قال تعالى: ْْ {والذين تبؤو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
ياألله ياألله ماهذه الفضائل , وماهذه المكارم ... ! فتالله ماكانوا ملائكة ولارسلا ولامن عمار السماء، بل بشر ممن خلق سبحانه، وماهو والله إلا الإيمان بكل معانيه. ومكارم الاخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها.
لولا عجائب صنع الله مانبتت ... تلك المكارم في لحم ولاعصب
لقد تبدل الزمان وظهر ماكان يخشاه صلى الله عليه وسلم من تنافس على الدنيا وحطامها , وموت للضمير وانتحار للمروءة, فكل يوم تفجع بأخ لك , وكل ساعة تعزى في مروءة غائبة وأخوة زائفة , وإن أنت لم تتجرع مرارة الصبر وتعتقد أنك واحد من هذا الجنس، عشت وحيدا ومت غريبا , ولا بواكي لك، (لقد مضى سلف لنا أهل تواصل، أعتقدوا مننا، واتخذوا أيادي كثيرة ذخيرة لمن بعدهم، كان اصطناع المعروف عليهم فرض، وإظهار البر عليهم حق واجب، ثم جاء الزمان عن يسر فاتخذوا مننهم صناعة، وأياديهم تجارة، وبرهم مرابحة، واصطناع المعروف بينهم معاوضة، كنقد السوق، خذ وهات).
فلا جزى الله الشدايد أي خير لنقفها حوادث كامنه , وكشفها ستورا مسدلة على خيوط من الأخوة والتآخي هي في حقيقتها أوهى من بيت العنكبوت.
إنك لتصحب الرجل ساعة من الزمن، فتظن وتشعر أنك وإياه من رحم واحده، وسرعان ما تتلاشا كل الحواجز بينك وبينه , وترفعان ثوب الكلفة بينكما بيد من الصدق والإخاء، بل إن الهرة لتدخل دارك وتنام على فراشك وتطعم من طعامك وتشرب من سقائك , فترى أن لها حقا عليك من عطف ورحمة وإنتصار (نعم وانتصار على هرة الجيران)، فكيف بأخيك الذي ربط الله أخوتكما من فوق سبعة أرقع، وجعلها من دعائم الدين وحث عليها في غيرما موطن من الوحيين المنزلين.
إن للأخوة حق قل من أداه، فلقد إنتكست كثير من الفطر , فلا بهدي الإسلام اهتدت ولابمروءة الجاهلية التزمت، بل ظن كثير من الناس،أن حق أخيك عليك أن تحدثه ويحادثك، وتجامله ويجاملك , وتسامره ويسامرك , وتطعمه ويطعمك ... ، ثم هو وشأنه، مساكين هؤلاء ماذاقو معنى الاخوه ولاعرفوه.
فلعمر الحق ماجاوزت هذه الخصال الترابط الحيواني , فقل لي بربك: أين من يهتم لهمك ويأرق لأرقك، ويحزن لحزنك ويبكي لبكائك , ويسر لسرورك، فإن نزلت بساحتك الهموم، نسي همه وأشتغل لذب مانزل بك، وإن اضافتك ضائقة وجدها من منن الدهر كي يسعى بمالديه اليك مواسيا لك في محنتك , فلربما ضر نفسه لينفعك، يأتيك مسرعا مرددا:
أخاك أخاك من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
فماهو إلا كالشمعة تحرق نفسها لتظئ لك الطريق , لاترقب منك حمدا ولاذما, و لاجزاءا ولاشكورا.
فلاتظنن ـ يارعاك الله ـ أن هذا ضرب من الخيال أو نسج من ألأذهان وإبداع، بقدر ماهو متمثل في أمم ممن شرح الله صدرهم للإيمان ومكارم الأخلاق.
ودونك التاريخ , قلب صفحاته، وانظر في أعطافه، ترى أن هذه الأمة قدأنجبت (بدورازاهرة) من الرجال، كل فرد منهم بأمة يقف التاريخ عنده، لقد ضربوا أروع الأمثلة في الأخوة الصادقة،حتى لربما آثر أحدهم الموت عن صاحبه.
¥