تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لا أستطيع .. مستحيل!]

ـ[إمداد]ــــــــ[27 Aug 2005, 03:32 ص]ـ

[لا أستطيع .. مستحيل!]

أ. د.ناصر بن سليمان العمر- المشرف العام على موقع المسلم

*كلمتان تتكرران على الألسنة كثيراً، وهما سبب رئيس لحالة الفشل العامة والخاصة؛ التي تعيشها الأمة, وأفرادها.

إن منبع هاتين الكلمتين؛ هو العجز العقلي, قبل أن يكون عجزاً حقيقياً واقعياً. والعقول العاجزة لا تصنع إلا الفشل. لا مراء ولا جدال أن هناك أموراً في الحياة لا يستطيعها الفرد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبايع الصحابة يقول لهم: (فيما استطعت)؛ كما في حديث ابن عمر – رضى الله عنهما - وغيره. بل يقول سبحانه تأكيداً لهذا الأمر: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية 286)؛ مما يدل على: أن هناك ما هو فوق الوسع والطاقة. ومن هنا فإن هذه الحقيقة ليست مندرجة في هذا الموضوع الذي نحن بصدده, حتى لا ندخل في جدال لا ينتهي؛ بل ينتهي بنا إلى الوهم الكبير: (لا أستطيع – مستحيل) ويزيد على ذلك: بأن نلبسه لباساً شرعياً. إن هاتين الكلمتين - مع ما بينهما من فرق في اللغة والدلالة والمعنى - فقد أصبحتا قانوناً لكل عجز, وتأخر, وتفريط. تساقان للتبرير, والتخدير, وتحطيم العزائم ووأد النجاح. كثير من الناس، وأجيال تتلوها أجيال، جعلت من هاتين الكلمتين: نبراساً لحياتهم ومنهجاً لتفكيرهم، ومنطلقاً للشعور بعدم التقصير، وأساساً للرضى بالواقع المرير. إنني أقف مدهوشاً أمام هذا التخلف الرهيب, في واقع الأمة وحياتها؛ مع ما تملكه من مقومات النجاح, والتفوق, والريادة, والسيادة. ومن ثم, أعملت تفكيري في هذا الأمر الجلل؛ فتوصلت - بعد مراحل من البحث والتحليل، والسبر والتقسيم - إلى أن من أهم الأسباب في ذلك – والأسباب كثيرة–: تحول هذا الوهم الكبير: (لا أستطيع – مستحيل) إلى قاعدة صلبة في حياة كثير من أفراد الأمة أولاً، وشعوبها ثانياً. منها ينطلقون، وفي ظلامها يسيرون. وكم جر علينا هذا الوهم - ولا يزال-: من مآس , وتأخر, وتقهقر في أمور الدين والدنيا؛ ولذلك فإن من أخطر ما يتعلق بهذا الأمر هو: عدم الإدراك بأنه وهم، لا يثبت عند التحقيق , والتمحيص. فترى من يفني جزءاً من حياته للدفاع عن هذا الصنم؛ ليثبت أنه ركن صلب, وحقيقة قائمة، ومسلمة لا مراء فيها.

إن هذا الوهم لم ينشأ بين عشيه وضحاها؛ وإنما هو ثمرة لمجموعة من التراكمات والعوامل؛ نشأت على مر السنين والأعوام. وهو إفراز لظروف مرت بها الأمة في تاريخها الطويل. فبدل أن تنتج من رحم المعاناة رجالاً؛ يقودون الأمة إلى الرقي, والتقدم دون استسلام للصعوبات، والعقبات وبنيات الطريق؛ وإذا بتلك العوامل تكون سببا لمزيد من الإحباط, واليأس, والفشل, والتردي في هوة الوادي السحيق.

كم يتعجب المرأ عندما يرى أمة وثنية؛ اتخذت من الشدائد منطلقاً لرقيها ومزاحمتها لأشد أعدائها, دون أن تستسلم للهزيمة النفسية، والإحباط المعنوي. فهذه اليابان جعلت من حطام قنبلتي (هيروشيما, وناجازاكي) وقوداً سريع الإنضاج, لما وصلت إليه من رقى, وتحضر في أمور الدنيا؛ حتى أصبحت رقماً مهماً في المعادلة الاقتصادية الدولية، ولم تجعل من تلك الهزائم, والفواجع وسيلة للبكاء , واستدرار عطف الآخرين. أما ألمانيا؛ فقد خرجت من تحت أنقاض الخراب والدمار دولة كبرى. يحسب لها المجتمع الدولي ألف حساب. وأصبح اقتصادها من أقوى ركائز الاقتصاد في العالم مع أنه لم يمر على تدمير ألمانيا سوى سنوات معدودة؛ حيث إن النقلة بين التاريخيين لا تزيد عن (30) عاماً. إنني أسرح في تفكيري بعيداً!! فأقول: يا تُرى , لو أن المجددين والمصلحين -من قادة الأمة - استسلموا لهذا الوهم الكبير: (لا أستطيع – مستحيل)، كيف سيكون حال الأمة ومصيرها؟!!

لو أن أبا بكر – رضي الله عنه – قال: لا أستطيع مقاتلة العرب بعد ارتدادهم واستسلم لهذا الواقع المرير – وحاشاه من ذلك – كيف ستكون النتيجة؟! إن مجرد التفكير في ذلك؛ يحدث هزة ورعباً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير