تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل يخالف جمهورُ العلماء جمهورَ الصحابة؟

ـ[أبو عمار المليباري]ــــــــ[03 Sep 2005, 09:33 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا مقال في الفصلِ بين قوليْ إمامين من أئمة الإسلام: الإمام النووي رحمه الله والإمام ابن القيم رحمه الله، وهما معروفان بالعلم الراسخ والفقه في الدين، وأقوالهما معتبرةٌ ولها وزنها لدى عامة العلماء. وابن القيم حينما تطرَّق لمسألة رؤية النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كتابه (زاد المعاد 1/ 52) قال: (وهي مسألةُ خلافٍ بين السَّلفِ والخلفِ، وإن كان جمهورُ الصحابة بل كلُّهم مع عائشة كما حكاهُ عثمان بن سعيدٍ الدارمي إجماعاً للصحابة).

وبهذا تبين لنا أن جمهورَ الصحابة ذهبوا إلى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم لم يرَ ربَّه ليلة الإسراء. وقد وردَ النصُّ عن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين أنها قالتْ: (من حدَّثك أن محمداً رأى ربَّه فقد كذبَ ثم قرأتْ: (لا تُدْرِكُه الأبصارُ وهو يدركُ الأبصارَ .. )(وما كان لبشرٍ أن يكلِّمه الله إلا وحياً أو من وراءِ حجابٍ .. ) الآية.

بينما نجد الإمام النوويَّ رحمه الله يقرِّر خلاف ذلك فيقول في (بستان العارفين 92): (وقد اختلف الصحابة في رؤية النبيِّ صلى الله عليه ربهُ سبحانه وتعالى في الإسراء، والمختار عند الأكثرين أو الكثيرين أنه رأى، وهو قول ابن عباسٍ)، وقد أوضح هذا التقرير أكثرَ في (شرح صحيح مسلمٍ 1/ 384) بعدما نقل عن صاحب التَّحريرِ [وهو الإمام محمد بن إسماعيل الأصبهاني]: (فالحاصلُ أنَّ الرَّاجحُ عند أكثرِ العلماء أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأَى ربَّه بعينيْ رأسِه ليلةَ الإسراءِ لحديثِ ابنِ عباسٍ وغيرِه مما تقدَّم، وإثباتُ هذا لا يأخذُونهُ إلاَّ بالسماعِ من رسول اللهِ؛ هذا لا ينبغى أن يتشكَّك فيه، ثُم إنَّ عائشةَ رضى الله عنها لم تنفِ الرُّؤيةَ بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو كان معها فيه حديثٌ لذكرَتْهُ، وإنَّما اعتمدَتْ الاستنباطَ من الآيات وسنوضِّحُ الجوابَ عنها: فأما احتجاجُ عائشةَ بقول الله تعالى لا تدركُه الأبصارُ فجوابُه ظاهرٌ فإنَّ الادراكَ هُوَ الإحاطةُ والله تعالى لا يُحاطُ به، وإذَا ورد النصُّ بنفْيِ الإحاطةِ لا يلزمُ منه نفيُ الرؤيةِ بغير إحاطةٍ ... وأما احتجاجها رضيَ الله عنها بقول الله تعالى: (وما كان لبشرٍ أن يُكلمه الله إلاَّ وحياً .. ) الآية فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يَلزم من الرؤيةِ وجودُ الكلامِ حالَ الرؤية فيجوزُ وجودُ الرؤية من غيرِ كلامٍ، الثاني: أنه عامٌّ مخصوص بما تقدَّم من الأدلة. الثالث: ما قاله بعض العلماء: إن المراد بالوحيِ الكلام من غير واسطةٍ. وهذا الذى قاله هذا القائل وإن كان محتمِلاً ولكنَّ الجمهورَ على أن المراد بالوحيِ هنا الإلهامُ والرؤيةُ في المنام وكلاهما يسمَّى وحياً. وأما قوله تعالى (أو من وراءِ حجابٍ .. ) فقال الواحديُّ وغيرُه: معناه غير مجاهرٍ لهم بالكلام بل يسمعونَ كلامَه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المرادُ أن هناك حجاباً يفصِلُ موضعاً من موضعٍ، ويدلُّ على تحديدِ المحجوبِ فهوَ بمنزلةِ ما يُسمعُ من وراءِ الحجابِ حيثُ لم يرَ المتكلِّمُ والله أعلم).

فاتضح من كلامه أن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه ليلة الإسراء، وقد خالفوا بذلك جمهور الصحابة. والمراد بجمهور العلماء: العلماء المتأخرين، ويدلُّ على ذلك كلام النووي 1/ 384 معلِّقاً على قول ابن مسعودٍ رضي الله عنه في قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى): (رأى جبريلَ لهُ ستُّمِائةِ جناحٍ) هذا الذى قالَه عبد الله رضى الله عنه هو مذهبُه في هذه الآية، وذهب الجمهورُ من المفسرين إلى أنَّ المرادَ أنَّه رأى ربَّه سبحانه وتعالى) فالمراد بجمهور المفسرين المخالفين لقول ابن مسعودٍ وغيره من الصحابة: المتأخرون. ويفهم هذا أكثر من كلام الحافظ ابن كثيرٍ في تفسيره 4/ 319: (وقد تقدَّم أن ابن عباسٍ رضي الله عنهُ كان يُثبتُ الرؤيةَ ليلةَ الإسراءِ ويستشهدُ بهذه الآيةِ وتابعه جماعةٌ من السلفِ والخلفِ، وقد خالفه جماعاتٌ من الصحابةِ رضي الله عنه والتابعين وغيرِهم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير