[أتاكم شهر المرابح]
ـ[إمداد]ــــــــ[29 Sep 2005, 02:51 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية
لفضيلة الشيخ: صلاح البدير
بتاريخ: 28 - 8 - 1424هـ
وهي بعنوان: أتاكم شهر المرابح
الحمد لله الذي شرفنا على سائر الأمم بالقرآن المجيد، وقوَّم به نفوسنا بين الوعد والوعيد، أحمده على ما تفضل به من مواسم الخير والمزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغني الحميد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى التوحيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً لا يزالان على كر الجديدين في تجديد.
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون، اتّقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ زاد، وأحسنُ عاقبةٍ في معاد، يأَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ ?للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
واعلموا أنّ الدّنيا حُلوة خضِرة جَميلة نضرة، نعيمٌ لولا أنّه عديم، ومحمودٌ لولا أنّه مفقود، وغِناء لولا أنّ مصيره الفنَاء، المستقِرُّ فيها يزول، والمقيمُ عنها منقول، والأحوال تحول، وكلُّ عبدٍ مسؤول، من تعلّق بها التاط بشغلٍ لا يفرغ عناه، وأملٍ لا يبلغ منتهَاه، وحِرصٍ لا يدرِك مداه، أيّامُها تسير في خبَب، وشهورُها تتتابع في عجَب، وزمانها انحدَر مِن صبَب، الدّنيا كلُّها قليل، وما بقي منها إلا القليل، كالسَّغب شُرِب صفوُه وبقِي كدره، مخاطرُ ومعاذِر، وفتنٌ فوائِر، صغائر وكبائِر، والنّاس يتقلبون فيها مؤمن وكافر، وتقيّ وفاجِر، وناجٍ وخاسِر، وسالمٌ وعاثر، فطوبى لمن حفِظ نفسَه وأولاده ونساءه وقِعاده، من موجبات السخط والذمّ، ووسائل الشر والهدم، وَمَن يَعْتَصِم بِ?للَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى? صِر?طٍ مّسْتَقِيمٍ [آل عمران:101].
أيّها المسلمون، أتاكم شهرُ المرابح بظلالِه ونوالِه وجمالِه وجلالِه، زائرٌ زاهر، وشهر عاطِر، فضلُه ظاهر، بالخيراتِ زاخر، أرفعُ من أن يُعَدَّ حسنُ ذاتِه، وأبدع من أن تُعدَّ نفحاتُه وتحصى خيراتُه وتستقصَى ثمراتُه، فحُثّوا حزمَ جزمِكم، وشدّوا لبَد عزمكم، وأروا الله خيرًا مِن أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم جازَ مَن جاز، واعلَموا أنّ من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يجتهِد في رمضانَ ما لا يجتهِد في غيره. أخرجه مسلم
أيّها المسلمون، أتاكم شهرُ القبول والسّعود والعتقِ والجود والترقّي والصّعود، فيا خسارة أهلِ الرّقود والصّدود، فعن أنس رضي الله عنه قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عزّ وجلّ: إذا تقرب العبد إلي شبرًا تقرّبت إليه ذِراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة)) أخرجه البخاري.
أيّها المسلمون، هذا نسيم القَبول هبّ، هذا سيلُ الخير صَبّ، هذا باب الخير مفتوح لمن أحبّ، هذا الشّيطان تبّ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضانُ فتِّحت أبوابُ الجنة، وغلقت أبواب النّار، وصفِّدت الشياطين)) متّفق عليه، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله:صلى الله عليه وسلم ((إذا كانت أوّلُ ليلة مِن رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغلِّقت أبوابُ النار فلم يفتَح منها باب، وفتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصِر، ولله عتقاء من النّار، وذلك كلَّ ليلة)) أخرجه ابن ماجه.
أيّها المسلمون، هذا زمانُ الإياب، هذا مغتسلٌ بارِد وشراب، رحمةً من الكريم الوهّاب، فأسرعوا بالمتَاب، فقد قرب الاغتراب في دار الأجداث والتّراب.
قرُب منا رمضان فكم قريب لنا فقدناه، وكم عزيز علينا دفنّاه، وكم حبيب لنا في اللحد أضجعناه. فيا من ألِف الذنوبَ وأجرمَا، يا مَن غدا على زلاّته متندِّمَا، تُب فدونك المنى والمغنمَا، والله يحبّ أن يجود ويرحمَا، وينيلَ التّائبين فضلَه تكرُّمًا، فطوبَى لمَن غسل في رمضان درنَ الذّنوب بتوبة، ورجع عن خطاياه قبلَ فوْت الأوبة.
¥