[البروفيسور عبد الله الطيب فقيد العلم واللغة]
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[30 Aug 2005, 10:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي الفواجع والمصائب في هذه الحياة الدنيا، وأكثر هذه الفواجع وآلمها موت العلماء، تلك المصيبة التي تتعدى آثارها بيت الفقيد وأهله وصحبه، لتصل إلى آماد بعيدة في الأمة عامة.
وفي أحيان كثيرة يقف المرء مشدوهاً أمام هذه المصائب ولربما حاول استبعادها من شدة وقعها لأول وهلة، إذ يفزع الإنسان في لحظة ما إلى آمال حبيسة في نفسه سرعان ما تجيش لتتحكم في سلوكياته، وهذا ما عبّر عنه أبو الطيب المتنبي حينما بلغه خبر موت من كان مولعاً بحبها فما أن وصله الخبر حتى قال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر* فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
وهذا الذي كان عندما سمعت بموت العالم الكبير الحبر البحر البروفيسور عبد الله الطيب علامة السودان في العربية وعلومها بل وإمام العربية الكبير في وقت تعاجز الناس فيه عن مجرد النطق السليم بالعربية الفصيحة.
لقيت أنا البروفيسور في السودان وتعرفت إليه عن قرب، ولقد كان وديعاً متواضعاً لا تحس وأنت تجالسه بأي غربة تجوب حولك، كان يوم لقيته أستاذاً للعربية في جامعة الخرطوم ومديراً لمجمع اللغة العربية هناك، تلمحه فتلمح من ثناياه تراثاً عربياً إسلامياً فواراً، وغيرةً على العربية والدين قلما تجدها عند أدباء اليوم. كان هذا هو أول لقاء به، ثم كان اللقاء الثاني الكبير يوم شرفت به مناقشاً لرسالتي في الدكتوراه، فرأيت منه بحراً زاخراً وعلماً كبيراً متواضعاً لم تزده مناصبه إلا رقة وحنانا.
مسيرة حياته:
ولد الفقيد رحمة الله تعالى بغرب الدامر – قرية في السودان – في رمضان عام 1339 هـ الموافق 1921م.
تعلم بمدرسة كسلا والدامر وبربر وكلية غوردون بالخرطوم والمدارس العليا ومعهد التربية ببخت الرضا وجامعة لندن بكلية التربية ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية.
نال درجة البكالوريوس في الآداب عام 1948 م من جامعة لندن، ونال الدكتوراه من جامعة لندن SOAS عام 1950م.
امتد تاريخه الأكاديمي أكثر من نصف قرن، انتقل فيها إلى بلدان عدة وتبوأ فيها بعض المناصب الأكاديمية.
فقد عمل محاضراً في معهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في لندن، ومدرساً بكلية أم درمان الأهلية، وكلية غوردون وبخت الرضا، وكلية الخرطوم الجامعية وجامعة الخرطوم وغيرها.
- تولى عمادة كلية الآداب بجامعة الخرطوم (1961 – 1974).
- كان مديراً لجامعة الخرطوم (1974 – 1975).
- أول مدير لجامعة جوبا (1975 – 1976).
- أشرف على إنشاء كلية عبد الله باييرو في جامعة أحمد بيلو في (كانو) بنيجيريا وكان أول عميد لها. وأصبحت الكلية فيما بعد جامعة مستقلة.
- عمل أستاذاً للدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في مدينة فاس بالمغرب.
- عيّن أستاذاً ممتازاً مدى الحياة ( Professor Emeritus ) بجامعة الخرطوم في سنة 1979م.
- كان عضواً في هيئة تحرير الموسوعة الأفريقية في غانا.
- عضو عامل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام 1961م.
- أول رئيس لمجمع اللغة العربية بالخرطوم.
- رئيس اتحاد الأدباء السودانيين.
- أستاذ زائراً لعدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية.
- منح الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم سنة 1981م ومن جامعة باييرو ب (كانوا) بنيجيريا سنة 1988م ومن جامعة الجزيرة بالسودان سنة 1989م.
- شارك في عدة مؤتمرات في السودان وخارجه.
- له مساهمات في الصحافة والإذاعة والتلفزيون.
- فسّر القرآن الكريم كله من إذاعة أم درمان بين عامي 1958 – 1969 مع تلاوة الشيخ صديق حمدون رحمه الله.
- نال جائزة الملك فيصل العالمية عام 2000م.
هذه المناصب المختلفة والأعمال المميزة تدل على أن الرجل رحمه الله كان يحتل مكانة مرموقة في الأوساط الثقافية والأكاديمية في الوطن العربي.
والفقيد رحمه الله تنوعت اهتماماته وتعددت لتشمل مختلف مجالات الفكر والأدب واللغة العربية، فهو شاعر وكاتب وروائي ودارس متعمق في الأدب العالمي وله إسهامات أدبية متميزة في مجال النقد الدبي القديم عند العرب، وفي حقول الفكر والأدب عموماً. فهو محيط بالشعر العربي وتاريخه وقضاياه إحاطة قلّ أن تتوافر في كثير من الدارسين.
¥