تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذمّ الخطأ في الشعر

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Oct 2005, 03:16 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

د. غازي طليمات (*)

ذم الخطأ في الشعر" رسالة من أصغر الرسائل التي كتبها أحمد بن فارس اللغوي [ت: 395هـ]. ورد ذكرها في أكثر من كتاب (2)، وطبعت مرتين: أولاهما سنة 1349 هـ مع كتاب "الكشف عن مساوئ المتنبي". والثانية سنة 1979 م في مجلة معهد المخطوطات العربية. والثانية فيهما طبعة محققة، حققها الدكتور رمضان عبد التواب واعتمد في تحقيقها على الطبعة الأولى غير المحققة، وعلى مخطوطتين: الأولى محفوظة في دار الكتب المصرية، ورقمها 181 صرف. والثانية محفوظة في مكتبة برلين، ورقمها 7181، وكلتا المخطوطتين تقع في ثلاث صفحات.

تتميز الطبعة الثانية إلى جانب الدقة في التحقيق بميزة قيّمة، وهي المقدمة التي درس فيها المحقق الصواب والخطأ في اللغة لتكون الدراسة جسراً، يجوزه القارئ إلى فكرة الرسالة. في هذه المقدمة يعّرف الدكتور رمضان عبد التواب الخطأ بأنه "مخالفة المألوف الشائع من الكلام في عصر من العصور لمن يتكلم بلغة ذلك العصر (3) ". ويرى أن لكل لغة قوانينها ونظمها. "ومن خالف هذه القوانين وتلك النظم فهو مخطئ (4) ".

من هذا المبدأ ينطلق الدارس إلى البحث في ضرائر الشعر، فيرى "أن علماء اللغة والنحو هربوا من تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، فتكلموا على الضرورة والشاذ والقليل والنادر (5) ".ولم يتكلموا على الصحة والخطأ. وهذا الهرب أسبغ على هذه المخالفات صفة الجواز. ولذلك حمل المحقق على ابن السكيت أبي يوسف يعقوب بن إسحق [ت: 244هـ] (6)، لأنَّه أجاز التكلم بالنادر إلى جانب الفصيح الكثير. ودعا إلى إعادة النظر في قواعد النحو لتنقية العربية من الأوشاب التي علقت بها. وأعجب بعلي بن عبد العزيز الجرجاني (7) [ت:366 هـ] لجرأته على الشعر القديم، ولإقراره بما فيه من خلل وخطل، ولزرايته بالمسوّغات التي تغمّد بها الأقدمون من النحاة خروج الشعراء على أصول اللغة قال الجرجاني: "ثمَّ تصفحت مع ذلك ما تكلّفه النحويون لهم من الاحتجاج إذا أمكن تارةً بطلب التخفيف عند توالي الحركات، ومرةً بالإتباع والمجاورة، وما شاكل ذلك من المعاذير المتحَّملة، وتغيير الروايات إذا ضاقت الحجة. وتبينَّت ما راموه في ذلك من المرامي البعيدة، وارتكبوا لأجله من المراكب الصعبة التي يشهد القلب أن المحرّك لها والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم (8) ".

ثمَّ يستظهر بقول أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (9) [ت: بعد 395 هـ] التالي في الضرورة. يقول العسكري: "وإنما استعملها القدماء في أشعارهم لعدم علمهم بقباحتها، ولأن بعضهم كان صاحب بداية، والبداية مَزَلَّة. وما كان أيضاً تنقد عليهم أشعارهم، ولو قد نُقدت، وبهرج منها المعيب كما تنقد على شعراء هذه الأزمنة، ويبهرج من كلامهم ما فيه أدنى عيب لتجنبوها (10) ". فالضرورة عند العسكري مخالفة، والمخالفة قبيحة، ولو وضّح الناقد القبح، ووقف عليه الشاعر لَجَانَبه.

من هذا العرض نستنبط أن فريقاً من النقاد جانبوا المجاملة والمصانعة، فكانوا أقرب إلى النزاهة، وسّموا الأشياء بأسمائها، وكرهوا الخطأ في كل شيء، وهجّنوه، ودعوا إلى التوقّي منه. لكن دراسة اللغة والشعر ليست وقفاً على نقاد النصوص، فلعلماء النحو في الموضوع آراء، وتعرّف آرائهم يلقي على الموضوع ضياء من جانب آخر، ومن لون آخر. فما آراء النحاة في الضرورة؟ ثمَّ ما موقف أحمد بن فارس في رسالته: ذم الخطأ في الشعر؟

ذهب سيبويه شيخ النحاة في البصرة (11) [ت: 180 هـ] إلى أن لكل ضرورة يرتكبها الشاعر تأويلاً يفسرها، وحجة تخرجها، ولم يرم الضرائر الشعرية بالخطأ، ولم يحملها على اللحن. قال سيبويه في الكتاب: "وليس شيء يضطرون إليه إلاّ وهم يحاولون به وجهاً (12) ". غير أنه أقرّ بقبح طائفة من الضرائر، فقال: "ويحتلمون قبح الكلام حتّى يضعوه في غير موضعه". (13)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير