[دعوة لإنصاف العلماء]
ـ[إمداد]ــــــــ[16 May 2005, 02:05 م]ـ
[دعوة لإنصاف العلماء]
لضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعود الحمد
العلماء هم ورثة الأنبياء, يقومون بمهمة البلاغ والتعليم والتوجيه والنصح والوعظ والتحذير والبيان, مجالسُهم عبادة, وكلامهم إفادة, وهم كالنجوم يهتدى بهم في كلِّ أمر, وهم أنصار الملة, وأطباء العلة, ينفون عن الدين تأويل المبطلين, وتحريف الجاهلين, وأقوال الكاذبين, وهم العارفون بشرع الله, المتفقِّهون بدينه, وهم الفرقة التي نفرت من هذه الأمة لتتفقه في دين الله ثم تقوم بواجب الدعوة, والعلماء باقون ما بقي الدهر, أعيانهم مفقودة, وآثارهم في القلوب موجودة, فما أحسن أثرهم على الناس, وما أسوأ أثر الناس عليهم.
ليس الغريب بأن نسمع ونقرأ في الصحف من أقوامٍ لا خلاق لهم يكتبون بين فينةٍ وأخرى مقالات سيئة, وعبارات يذيئة تحطُّ من قدر علمائنا ودعاتنا وأفاضل الناس فينا, وتعييرهم, والاستهزاء بهم ورميهم بما هم منه براء, إنما الغريب حقاً أن يُسْمعَ أمثال هذا الكلام, من أناسٍ منتسبين للصلاح, فضلاً عن غيرهم, ولذلك سيدور الحديث حول مكانة أهل العلم والدعوة, والحذر من الوقيعة فيهم أو نشر أخطائهم المغمورة في بحار حسناتهم أو لمزهم والقدح فيهم ونحو ذلك.
وهذه المسألة مستفادة من كلام أهل العلم والتحقيق من السابقين واللاحقين ممن بينوها غاية البيان, بالحجة الساطعة والبرهان والله وحده المستعان.
إن القدح في العلماء, والطعن فيهم سبيلٌ من سبيل أهل الزيغ والضلال وهو إيذاءٌ لهم, وإيذاؤهم إيذاء لأولياء الله الصالحين وهم أول من يدخل في ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر-رحمه الله-في التحذير من الوقيعة في العلماء: (واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته, وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حقَّ تقاته أن لحوم العلماء مسمومة, وعادةُ الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة, لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براءٌ أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزُّورِ والافتراء مرتع وخيم, والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خُلقٌ ذميم) وقال: ( ... ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب, ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ].
ولذلك فإنه يخشى على من هذه حاله من سوء الخاتمة والعياذ بالله, وقد ذكروا عن أحد الفقهاء والقضاة الشافعية, وقد درَّس وأفتى, وكثرت طلابه, واشتهر ذكره, ويعد صيته، قال عنه الجمال المصري: (إنه شاهده عند وفاته, وقد اندلع لسانه واسود, فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعاً) [1]
ويقول العلامة بكر أبو زيد حفظه الله تعالى حول الوقيعة في الأئمة الكبار: (وبهذا تعلم أن تلك البادرة (الملعونة) من تكفير الأئمة, النووي, وابن دقيق العيد, وابن حجر العسقلاني-رحمهم الله تعالى- أو الحط من أقدارهم , أو أنهم مبتدعة ضلال, كل هذا من عمل الشيطان, وباب ضلالةٍ وإضلال, وفسادٌ وإفساد, وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به, ولكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون) [2] ا-هـ
لقد كان سلف هذه الأمة يحترمون علماءهم احتراماً كبيراً ويتأدبون معهم, فلقد اخذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع جلالته وعلو مرتبته بركاب زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- وقال: (هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا).
وقال الإمام أحمد لخلف الأحمر رحمهما الله تعالى: (لا أقعد إلا بين يديك, أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه).
والآثار في هذا الباب كثيرة, قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر, لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السبيل" ا-هـ.
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا, ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويعرف لعالمنا حقه).
¥