ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[19 Apr 2005, 11:53 م]ـ
علق أخونا الشيخ حارث همام على هذا الموضوع في ملتقى أهل الحديث بقوله:
وهذه فائدة في التفريق بين الشبهة والاعتراض الصحيح:
لاشك أن الفوارق بين الحق والباطل كثيرة يراها من نوّر الله بصيرته بالعلم والإيمان، ولكن من أظهر ما يميز به الاعتراض الصحيح على القول المقرر بدليل عن الشبهة، هو أن الاعتراض الصحيح يكون محله صحة الدليل أو الاستدلال، موجهاً للنص أو ما استنبط منه، أما الشبهة فإنها تتوجه نحو القول المقرر بالأدلة الصحية الثابتة لتبطله بقياس أو إلحاق أو إلزام بقول آخر دون تعرض لصحة الدليل أو الاستدلال. فالشبهة اشتباه أو التباس بين أمرين يعجز البعض عن التفريق بينهما فيجمعهما في الحكم. مقدماً الرأي في حكمه على ما استقر بالشرع.
ولهذا نصح شيخ الإسلام تلميذه بأن يكون قلبه كالزجاج والزجاج صلب صاف، أما قوة القلب وصلابته فتكون باشتغال صاحبه في أعماله الظاهرة والباطنة فعمل القلب يمرن القلب كما يمرن عمل اليد الساعد فيشده ويقويه، وأما صفاؤه وبهاؤه فيكون بنور الوحي الذي يضيء له فينظر من خلاله، بخلاف الاسفنجة الفارغة غير المشبعة فإنها تمتص كل مايرد فلاقوة لها ولا صفاء مع خوائها، وهكذا القلب الخالي الذي لم يتشبع بنصوص الوحي، ولم يمرن عضلته بأعمال القلوب فتقوى.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[19 Apr 2005, 11:55 م]ـ
قال العلامة الصفدي في الوافي 7/ 15 - 16
وسألته في سنة ثماني عشرة أو سبع عشرة وسبع مائة وهو بمدرسته بالقصاعين عن قوله تعالى (وأخر متشابهات) فقلت له: المعروف بين النحاة أن الجمع لا يوصف إلا بما يوصف به المفرد من الجمع بالمفرد من الوصف؟
فقال: كذا هو.
فقلت: ما مفرد متشابهات؟
فقال: متشابهة.
فقلت: كيف تكون الآية الواحدة في نفسها متشابهة، وإنما يقع التشابه بين آيتين؟
وكذا قوله تعالى (فوجد فيها رجلين يقتتلان) كيف يكون الرجل الواحد يقتتل مع نفسه؟
فعدل بي من الجواب إلى الشكر، وقال: هذا ذهن جيد، ولو لازمتني سنة لانتفعت.
وسألته في ذلك المجلس عن تفسير قوله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) إلى قوله تعالى (عما يشركون)؟
فأجاب بما قاله المفسرون في ذلك، وهو آدم وحواء وأن حواء لما أثقلت بالحمل أتاها إبليس في صورة رجل وقال: أخاف من هذا الذي في بطنك أن يخرج من دبرك أو يشق بطنك، وما يدريك لعله يكون بهيمة، أو كلبا فلم تزل في هم حتى أتاها ثانيا، وقال: سألت الله تعالى أن يجعله بشرا سويا، وإن كان كذلك سميه عبد الحارث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فذلك قوله تعالى (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) وهذا مروي عن ابن عباس.
فقلت له: هذا فاسد من وجوه:
لأنه تعالى قال في الآية الثانية (فتعالى الله عما يشركون)، فهذا يدل على أن القصة في حق جماعة.
الثاني: أنه ليس لإبليس في الكلام ذكر.
الثالث: أن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها، فلا بد وأنه كان يعلم أن إبليس الحارث. الرابع: أنه تعالى قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهو يخلقون) وهذا يدل على أن المراد به الأصنام؛ لأن ما لما لا يعقل، ولو كان إبليس لقال مَن التي هي لمن يعقل.
فقال: ـ رحمه الله تعالى ـ فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهذا قصي؛ لأنه سمى أولاده الأربعة عبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار، والضمير في يشركون له، ولأولاده من أعقابه الذين يسمون، أولادهم بهذه الأسماء، وأمثالها.
فقلت له: وهذا أيضا فاسد؛ لأنه تعالى قال (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها)، وليس كذلك إلا آدم؛ لأن الله تعالى خلق حواء من ضلعه.
فقال: ـ رحمه الله تعالى ـ المراد بهذا أن زوجه من جنسه عربية قرشية، فما رأيت التطويل معه.
وسألته في ذلك المجلس عن قول المتكلمين في الواجب والممكن؛ لأنهم قالوا: الواجب: ما لا يتوقف وجوده على وجود ممكنة، والممكن: ما يتوقف وجوده على وجود واجبه؟
فقال: ـ رحمه الله ـ هذا كلام مستقيم.
فقلت: هذا القول هو عين القول بالعلة، والمعلول.
فقال: كذا هو إلا أن ذلك علة ناقصة، ولا يكون علة تامة إلا بانضمام إرادته، فإذا انضمت الإرادة إلى وجود الواجب تعين وجود الممكن.
ثم اجتمعت به بعد ذلك مرات عديدة، وكان إذا رآني قال:
أيش حس الإيرادات؟!
أيش حس الأجوبة؟!
أيش حس الشكوك؟!
أنا أعلم أنك مثل القدر التي تغلي تقول: بق بق بق أعلاها أسفلها، وأسفلها أعلاها لازمني لازمني تنتفع.
وكنت أحضر دروسه ويقع لي في أثناء كلامه فوائد لم أسمعها من غيره، ولا وقفت عليها في كتاب رحمه الله تعالى. وعلى الجملة فما رأيت، ولا أرى مثله في اطلاعه، وحافظته ولقد صدق ما سمعنا به عن الحفاظ الأول، وكانت هممه علية إلى الغاية؛ لأنه كان كثيرا ما ينشد:
تموت النفوس بأوصابها * ولم تشك عوداها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي * أذاها إلى غير أحبابها
وينشد أيضا:
من لم يُقد ويُدسُّ في خيشومِه * رهجُ الخميسِ فلن يقود خميسا