وإذا استرشد طالب العلم مع إخلاص النية، وصدق التوجه، يييسر الله له من يرشده إلى أهل العلم الذين هذه صفتهم، أما أن ينشغل بجرح العلماء وتعديلهم، تقليدا لما يقوله غيره، بحجّة أنه ينظر عمّن يأخذ عنه دينه! فما هو إلا تلبيس إبليس.
أما واجب الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، والنصح للمسلمين، في باب التحذير من البدع، والأهواء المضلّة، في الأقوال، والأفعال، والأحوال غير الشرعية، وتحذير الناس منها، والردّ على أهل الضلالة، وكشف عوار بدعهم، مع ذكر اسماءهم إن اقتضى المقام ذلك، ولم يتم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به، فهذا إنما يجب على أهل العلم بشروطه المعروفة، لايخاطب به كلّ الناس، ولايصح أن ينشغل به طالب للعلم عمّا هو أولى، لكن إن وقع له من ذلك ما يصير به مكلفا أن يقوم بهذا الواجب، قام به إن تمّت شروطه، وإلا فإن إشغال طالب العلم به في أول الطلب، فساد في منهجه.
هذا وقد تقرر عند أهل العلم، أنه لاينقد كلام أهل العلم، والقائمين بالدعوة، إلاّ من تأهّل لذلك، وحينئذ يجب عليه أن يتحلّى بالإنصاف، فلايبخس الفضل، ولا يهدر الحسنات، بل يزن ما عند غيره ممن ينقده، من صواب وخطأ، وسنة وبدعة، وطاعة،ومعصية، ويحكم عليه بالعدل والقسطاس المستقيم، هذا هو منهج أهل السنة والجماعة.
كما قال الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن: (وليعلم أن المؤمن تجب موالاته ومحبته على ما معه من الإيمان، ويبغض ويعادي على ما معه من المعاصي، وهجره مشروع إن كان فيه مصلحة وزجر وردع، وإلا فليعامل بالتأليف وعدم التنفير والترغيب في الخير برفق ولطف ولين لان الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المضار والله ولى الهداية). مجموعة الرسائل والمسائل النجدية2/ 135
وقال شيخ الإسلام ابن يتمية: (ومن جعل كل اجتهاده في طاعة اخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا فهو مخطئ ضال مبتدع) مجموع الفتاوى 19/ 5
وقد شيخ الإسلام عن أهل السنة قاطبة هذه الخصلة الحميدة، قال رحمه الله: (قلت قد ذم أهل العلم والإيمان من أئمة العلم والدين من جميع الطوائف من خرج عما جاء به الرسول، في الأقوال والأعمال باطنا أو ظاهرا ومدحهم هو لمن وافق ما جاء به الرسول، ومن كان موافقا من وجه، ومخالفا من وجه، كالعاصي الذي يعلم أنه عاصي، فهو ممدوح من جهة موافقته، مذموم من جهة مخالفته.
وهذا مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن سلك سبيلهم في مسائل الأسماء والأحكام، والخلاف فيها أول خلاف حدث في مسائل الأصول، حيث كفرت الخوارج بالذنب وجعلوا صاحب الكبيرة كافرا مخلدا في النار، ووافقتهم المعتزلة على زوال جميع إيمانه وإسلامه وعلى خلوده في النار، لكن نازعوهم في الاسم فلم يسموه كافرا، بل قالوا هو فاسقا لا مؤمن ولا مسلم ولا كافر فأنزلوه منزلة بين المنزلتين، فهم وإن كانوا في الاسم إلى السنة أقرب، فهم في الحكم في الآخرة مع الخوارج.
وأصل هؤلاء أنهم ظنوا أن الشخص الواحد، لا يكون مستحقا للثواب والعقاب والوعد والوعيد والحمد والذم، بل إما لهذا وإما لهذا فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها) (شرح العقيدة الإصفهانية ص 138)
أما إن كان الشخص المخطىء من أئمة العلم، فكما قال الإمام الذهبي: " (ثم إن الكبير من أئمة العلم، إذا كثر صوابه، وعلم تحرّيه للحق واتّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه، وورعه، واتّباعه، تُغفر له زلته، ولا نضله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجوا له التوبة من ذلك) السير 5/ 271
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا