تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد يحسب بعضهم أن اختصار المعاجم أمر يتعلق بمعاجم التراث الكبيرة فقط وأن عصره قد انتهى الآن، أو يظن أننا لا نحتاج إلى اختصار معجم موجود بل من الأيسر أن نصنف معجما صغيرا جديدا، أو يتوهم أن اختصار المعاجم فن يعتمد على حذق المعجمي وفطنته وليس علما له قواعده المحددة.

غير أن أبحاث علم اللغة التطبيقي الحديث تدلنا على أن اختصار المعاجم لإنتاج أنواع متعددة منها سيبقى ضرورة حتمية ما دامت مستويات القراء متباينة، وما دامت اهتماماتهم متفاوتة، ومادامت حاجاتهم إلى استعمال المعاجم مختلفة؛ وأن من الأفضل أن تنبني المعاجم المتعددة على مدونة معجمية جيدة واحدة لأن في ذلك توفيرا للجهد وصيانة للوقت وتخفيضا للنفقات. ولهذا نجد أن المؤسسات المعجمية العالمية الكبرى مثل لاروس وأكسفورد ووبستر تنتج عدة معاجم لتستجيب لمستويات القراء المتعددة واحتياجاتهم المتنوعة.

وفي هذه الدراسة المختصرة التي تتخذ من مختار الصحاح ميدانا لها، تعريف ببعض أغراض اختصار المعاجم والقواعد الواجب مراعاتها.

200 ـ العبقرية والتعقيد:

لقد احتاج المعجميون العرب إلى أكثر من قرنين من الزمان للتخلص من تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175هـ) عليهم. فقد ابتكر الخليل منهجية فريدة توافق عبقريته الفذة وتناسب طموحاته العريضة الرامية إلى وضع معجم يحصي فيه جميع " كلام العرب وألفاظهم فلا يخرج منها عنه شيء." (1)

وتقوم منهجية الخليل على أسس لسانية رياضية منطقية جعلت منها منهجية معقدة لا يستطيع استيعابها إلا المتخصصون، في حين يصعب منالها على عامة المثقفين والمتعلمين. وهذه الأسس هي:

أولا، ترتيب مواد المعجم ترتيبا صوتيا حسب مخارج الحروف ابتداء من حروف الحلق، لأنه أبعد المخارج، والصعود تدريجيا حتى حروف الشفة، فجاء ترتيبه على الوجه التالي: ع ج ه غ خ ق ك ج ش ض ص س ز ط ت د ظ ذ ث ر ل ن ف ب م و ي ا. وجعل الخليل بابا خاصا في معجمه لكل حرف من هذه الحروف. وهو ترتيب مبتكر يصعب استيعابه على عامة الناس الذين اعتادوا علي الترتيب الألفبائي والترتيب الأبجدي الشائعين آنذاك.

ثانيا، ترتيب الكلمات في كل حرف من هذه الحروف حسب أبنيتها الصرفية، بحيث أُفرد باب لكل بناء من الأبنية التالية: الثنائي المشدد ثانيه، والثلاثي الصحيح، والثلاثي المعتل، واللفيف، والرباعي، والخماسي. ومن يبحث عن كلمة عليه أن يعرف أولا أصلها وبنائه.

ثالثا، اعتماد طريقة التقليبات، فهو يذكر الكلمة ثم يقلّبها إلى كل وجه بحيث تتألف من مقلوباتها كلمات، فتُذكر جميع تلك الكلمات في موضع واحد، ويشير إلى المُستعمَل والمُهمَل منها. مثلا: في مادة ع ك ب نجد العنوان التالي:

ع ك ب، ع ب ك، ك ع ب، ك ب ع، ب ك ع (مستعملات)، ب ع ك (مهمل)

ومن يبحث عن (ش ع ل) فهو لا يجدها في كتاب الشين وإنما في كتاب العين لأن العين أسبق من الشين في الترتيب الصوتي الذي ابتكره الخليل.

هذه المنهجية الرائدة في تنظيم المعجم أثّرت، بدرجات متفاوتة، في أعمال كبار المعجمين العرب الذين جاءوا بعد الخليل مثل معاصره أبي عمرو الشيباني (149 - 206هـ)، في معجمه (الجيم)، وابن دريد (223 –321 هـ) في معجمه (الجمهرة)، وأبي منصور الأزهري (282 - 321هـ) في معجمه (تهذيب اللغة)، والصاحب بن عباد (326 - 385 هـ) في معجمه (المحيط).

وعلى الرغم من أن المعجميين الذين جاءوا بعد الخليل بذلوا جهدا كبيرا لتيسير منهجيته وتبسيطها في هذا الجانب أو ذاك، فإنه لم يتم التخلص منها برمتها إلا على يد عبقري آخر هو الجوهري.

300 - الجوهري ومعجمه (الصحاح):

والجوهري هو إسماعيل بن حماد (332 - 400هـ)، أصله من فاراب في بلاد الترك. رحل إلى العراق في طلب العلم فدرس على اثنين من أعظم شيوخ العربية في زمانه هما أبو علي الفارسي (288ـ 356 هـ) وأبو سعيد السيرافي (284ـ 368 هـ). ثم رحل إلى الحجاز وشافه الأعراب في ديارهم. وسافر إلى خراسان فالري فنيسابور حيث أقام هناك متصديا للتدريس ومتفرغا للتأليف، وفيها ألف معجمه (الصحاح) وفيها لقي حتفه على إثر قيامه بتجربة فاشلة للطيران حين صعد إلى سطح الجامع وقد ربط أجنحة إلى ذراعيه وألقى بنفسه محاولا الطيران، ولكنه سقط ميتا. فقال بعضهم إن محاولته تلك نتيجة لإصابته بوسوسة أو لوثة في عقله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير