تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذا الجذر أيضاً حرفان شديدان يتوسطهما حرف رخو، وهذا يعني أن معنى الشدة والصعوبة ضعف معنى السهولة والرخاوة، فهو يدل دلالة خفية على رجحان معنى صعوبة ركوب البحر على سهولته أي يدل على رجحان هيبة العرب أمام هذا المخلوق العجيب على الاطمئنان منه، وهذا يطابق نظرة العرب القدامى إلى البحر من أن هوله وشدته وهيجه أكثر من سهولته وهدوئه ويمكن برهان ذلك على ثلاثة مستويات: المستوى اللغوي والمستوى الشعري والمستوى التاريخي والإخباري، فالجذور الدالة على اضطراب البحر أضعاف الجذور الدالة على هدوئه، وصورة البحر الهائج المخيف هي الغالبة في صور البحر الشعرية وكذلك أكثر الأخبار والأحداث التاريخية.

وأما صفة التكرار فسوف أتركها للتحليل القادم.

ثانياً: مخارج أحرف الجذر "بحر":

"قال الخليل: فأقصى الحروف كلها العين ثم الحاء ولولا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين ... فالعين والحاء والخاء والعين حلقية لأن مبدأها من الحلق ... والراء واللام والنون ذلقية لأن مبدأها من ذلق اللسان وهو تحديد طرفي ذلق اللسان، والفاء والباء والميم شفوية وقال مرة شفهية لأن مبدأها من الشفة". (16).

وقد خالف سيبويه ترتيب الخليل في بعض الأحرف تبعه ابن جني وأغلب من جاء بعده، وقد نال حرف الحاء هذا الاختلاف في الترتيب من أحرف الجذر بحر إذ جعله سيبويه الخامس من نهاية المدرج الصوتي: الهمزة والألف والهاء والعين والحاء ... أي أنه جعل مخرجه وسط الحلق لا من أقصاه (17)، ويمكن ترتيب مخارج هذه الأحرف على النحو الآتي:

آ ـ الباء: حرف شفوي.

ب ـ الحاء حرف من أواسط الحلق.

ج ـ الراء: حرف ذلقي.

وبسبر هذه الأحرف والاكتناه المتعمق فيها تراءت للباحث هذه النتائج، فالباء حرف مخرجه من بداية المجرد الصوتي والحاء حرف من أواسط الحلق يشتم منه رائحة العمق بل هو كما ذكر الخليل ـ من أ عمق الحروف مخرجاً، وكذلك البحر ففي بدايته يكون ضحضاحاً قليل الماء ومن ثم يزداد عمقه ويكون أعمق ما يكون في وسطه ويأتي الراء هذا الحرف التكراري الذي "لو لم يكرر لم يجر الصوت فيه" (18)، ليذكِّر بحركة الموج الدائبة إلى الأبد أو ليس البحر قلب الحياة النابض؟ ..

ومن ناحية أخرى، الباء أول الحروف مخرجاً والحاء من أواخر الحروف مخرجاً وتشبه إحاطة هذين الحرفين بأغلب الحروف بإحاطة البحر باليابسة ثم يأتي حرف الراء من وسط هذا المجرد الصوتي كما يأتي الموج من أواسط البحر ليظل متحركاً مستمراً حتى ينكسر على الشاطئ.

7 ـ البحر في الاصطلاح:

يطلق لفظ "بحر" في اصطلاح العروضيين على الوزن الذي ينظم عليه الشعر، وهو اختراع الخليل بن أحمد الفراهيدي، بيد أن هذا المصطلح على قدمه لم يرد في معاجم اللغة وأغفلته أغلب كتب الاصطلاحات فلم أجده إلا في كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي يقول: ـ"وفي اصطلاح العروضيين هو الكلام الموزون المقفى الذي يشمل على نوع الشعر ... ويطلق على وزن الشعر بحر أيضاً لأنه كالأصل للفروع ... ". (19).

*الحواشي:

(1) ـ انظر: المعاجم المدروسة في المسرد.

(2) ـ يقال ماء ملح وليس مالحاً: "قال البطليوسي في شرح الفصيح: المشهور في كلام العرب ماء ملح ولكن قول العامة مالح لا يعد خطأ وإنما هو لغة قليلة"، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي شرح ـ محمد جاد المولى بك ـ محمد أبو الفضل إبراهيم ـ علي محمد البجاوي ـ المكتبة العصرية 1986 ـ صيدا ـ بيروت 1/ 215، وقال: ابن منظور: "ولا يقال مالح إلا في لغة رديئة"، اللسان مادة (ملح).

(3) ـ الإحالة في القبوسات اللغوية في هذا البحث على مادة بحر في المعاجم المذكورة.

(4) ـ ويقال التهانوي: "والبحر في أصل اللغة شق في الأرض يجري فيه الماء وتعيش فيه حيوانات مختلفة الأنواع ولذلك سمي البحر"1/ 167، كشاف اصطلاحات الفنون ـ محمد بن علي الفاروقي التهانوي. تح. لطفي عبد البديع ترجم النصوص الفارسية، د. عبد المنعم محمد حسنين. راجعه أمين الخولي المؤسسة المصرية ا لعامة للتأليف والترجمة والنشر ـ 1963.

(5) ـ انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي تح. محمد علي النجار. لجنة إحياء التراث الإسلامي القاهرة ـ 1965 ـ ج2/ 225 ـ 226.

(6) ـ دلائل الإعجاز. عبد القادر الجرجاني: تحقيق محمود محمد شاكر ـ الناشر مكتبة الخانجي. د. ت. القاهرة ـ ص49.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير