تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - كمال مهارة المصنف، فإنه لجودة ذهنه، وحسن عبارته يتكلم من معان دقيقة بكلام موجز، يكفي في الدلالة على المطلوب، وغيره ليس في مرتبته، فربما عسر عليه فهم بعضها، أو تعذر، فيحتاج إلى زيادة بسط في العبارة لتظهر المعاني الخفية.

2 - حذف بعض مقدمات الأقيسة اعتماداً على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، أو إهمال ترتيب بعض الأقيسة، فأغفل علل بعض القضايا، فيحتاج الشارح إلى أن يذكر تلك المقدمات المهملة، ويعطي علل ما لم يعط المصنف.

3 - وقد يقع في بعض التصانيف ما لا يخلو البشر منه، من السهو والغلط والحذف لبعض المهمات، وتكرار الشيء بعينه بغير ضرورة إلى غير ذلك، فيحتاج أن ينبه عليه (6).

أما النوع الأول من الشروح فأوضح أمثلته شرح النحوي لمصنفه، وهذا ما فعله ابن هشام بكتابيه "شذور الذهب" و "قطر الندى" وهذا مثال من قطر الندى:

ص: جميع الحروف مبنية.

ش: لما فرغت من ذكر علامات الحرف، وبيان ما اختلف فيه منه، ذكرت حكمه، وأنه مبني لاحظّ لشيء من كلماته في الإعراب.

ص: والكلام لفظ مفيد.

ش: لما أنهيت القول في الكلمة وأقسامها الثلاثة، شرعت في تفسير الكلام ... " (7). ويجدر بالذكر أن ابن هشام يسمي مؤلفه "مقدمة" ويسمي شرحه نكتاً "رافعة لحجابها –يعني المقدمة- كاشفة لنقابها، كافية لمن اقتصر عليها، وافية ببغية من جنح من طلاب علم العربية إليها" (8).

وأما النوع الثاني، فمن أمثلته شروح كتاب سيبويه وشروح مغني اللبيب. يقول ابن هشام في المغني: "إذ لا مجازاة هنا" (9) والإشارة إلى مثال أبي علي الفارسي: "يقال لك: أحبك فتقول: إذن أظنك صادقاً" بضم الفعل المضارع، فيشرح الشمني العبارة قائلاً: "قال الرضي لأن الشرط والجزاء إما في الاستقبال أو في الماضي، ولا مدخل للجزاء في الحال" (10).

وأما الثالث من أسباب التصنيف فقد استغله بعضهم أبشع استغلال للتشنيع على أسلافهم، والانتقاص من أقدار غيرهم. وما أكثر ما نقرأ في كتب النحو اتهامات بالزعم والوهم والتعسف والخلط، هذا أبو حيان النحوي الأندلسي (-745هـ) يتهم أبا علي الفارسي والزمخشري "بعجرفة العجم" وعدم معرفة كلام العرب. ويصف كافية ابن الحاجب بأنها "نحو الفقهاء". وابن مالك يصف الزمخشري بأنه "نحوي صغير" وبين ابن مالك وأبي حيان ما بينهما رغم كون الثاني شارحاً للأول. ثم بين ابن هشام وأبي حيان. ثم ابن هشام يتهم الزمخشري بالخروج عن كلام العرب (11)، والكذب فيما نقله عن سيبويه (12).

وأسوأ من يلقانا في هذا الباب الأسود الغندجاني المتوفى بعد 430هـ، وهو عالم بالشعر والأنساب من غندجان بأرض فارس. تتلمذ على شيخ مجهول يكنى بأبي الندى، فتطاول على أربعة من أسلافه: ابن الأعرابي، وأبي علي الفارسي، وابن السيرافي، وأبي عبد الله النمري. فألف في الرد على كل منهم كتاباً، وأنعم على ابن السيرافي بكتابين فأطلق لسانه "حاداً نابياً لا يتورع عن الساقط من الكلام بحق الأئمة من العلماء في إطار التهكم والسخرية، وضرب الأمثال السوقية في بعض الأحيان، مما عبّر عنه ياقوت بقوله "وكان الأسود لا يقنعه أن يرد على أئمة العلم رداً جميلاً، حتى يجعله من باب السخرية والتهكم وضرب الأمثال" (13). وأمثاله في غاية الفحش والبذاءة أحياناً (14)، وأغلبها مما صنعه الغندجاني نفسه، بالإضافة إلى تحميله ابن السيرافي ما لم يقله (15)، وتصحيف كلامه، وغير ذلك مما يضيق المقام بذكره.

إلا أن نظرة متأنية منصفة تجعلنا نضيف إلى ما سبق من تصنيف ابن خلدون ما يلي:

نحن نعلم أن الأخفش الأوسط (-215هـ) فتح باب الخلاف على أستاذه سيبويه، وأن هذا الخلاف تمخض عن مدرستي البصرة والكوفة، ثم نشأت مدارس أخرى. ونعلم أن هذه المدارس استقطبت النحاة. ونعلم أن جدلاً دار حول أصول النحو، مثل الاحتجاج والقياس ومصطلحات النحو، دون أن يعني هذا خفوت الأصوات الفردية والخلافات الجانبية ضمن كل مدرسة، فإن الأسباب التي أدت إلى ظهور الخلافات، وهي طبيعة اللغة العربية نفسها، وطبيعة العلل التي تتحكم في العلاقات اللغوية، والدلالات التي تحملها الألفاظ، وطبيعة البحث العلمي (16)، هذه الأسباب إلى جانب أسباب أخرى سنتطرق إليها فيما بعد –ظلت نبعاً لا ينضب لتعدد الآراء دون أن تفلح مدرسة الفارسي في الخروج من مأزق الخلاف رغم تأثيراتها العميقة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير