تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سيساعد اتخاذ معهود العرب في تلقي الخطاب القرآني في عصر التنزيل مرجعية في فهم النصوص على الوصول إلى المعنى المراد من الشارع في النص الشرعي، وهو معنى يؤخذ إما من ظاهر النص، وإما من تأويل النص حسب الشروط التي تحمي من تحريف معنى النص. ويقتضي الرجوع إلى هذا النوع من المعهود انتفاء استمرار احتمالية دلالة النصوص القرآنية، كما يقتضي عدم قياس الدلالات المبنية على ما يزعم من الاحتمال في دلالة هذه النصوص بخصائص هذا المعهود، ورفض الاحتكام في فهم النصوص الشرعية إلى معهود العرب في التخاطب في العصر الحديث. وتقتصر أهمية المعهود اللغوي الحديث على التعرف على أوجه التعامل اللغوي بين مستخدمي اللغة العربية حديثا ولا يؤخذ به في استنباط الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية من النصوص الشرعية.

وينتج عن اعتبار السياق أو عدمه في فهم النصوص القرآنية والحديثية اختلافٌ في الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية أيضا. ونجد استغلالا واسعا للسياق الموقفي في الأحكام الشرعية المتعلقة باستخدام اللغة في المعاملات والعقود حيث يؤخذ بما يجري في عرف التخاطب اللغوي ومقاماته عند إصدار الأحكام الفقهية وتطبيقها، ومن ثم يعتمد مقصد المتكلم من خطابه، وليس ظاهر هذا الخطاب ([19]). ومن مراعاة السياق اللفظي في الترجيح الفقهي موافقة ابن تيمية للحنفية والظاهرية ([20]) في جواز قصر الصلاة والفطر في رمضان في كل سفر سواء كان سفرا مباحا أو غير مباح ([21])؛ نظرا لتعليق الحكم في النص على مطلق السفر. قال تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 184) وقال عزّ من قائل: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" (النساء: 101)، وهذا على خلاف الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون القصر والفطر في السفر المحرم، بحجة أن السفر المحرّم معصية. والرخصة للمسافر في معصية إعانة على ذلك، ولا تجوز الإعانة على المعصية، فتمّ تقييد القصر والفطر بحكم آخر خارج النص ([22]).

وهناك أسس نظرية أخرى يؤدي اختلاف المواقف منها إلى اختلاف فهم النصوص أو تطبيقها، ومنها القول بالمجاز أو عدمه، أو بالاستعمال اللغوي في تحديد دلالة ألفاظ النصوص الشرعية، وكذلك مبدأ الاستناد في استنباط الحكم إلى مقاصد النصوص أو إلى معانيها المأخوذة من النصوص مباشرة أو غير مباشرة. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير هذه الأسس إلى نتائج جديدة مفيدة في التعامل مع النصوص الشرعية، إذا تضمنت النظر في أسس استثمار أدلة الأحكام الإجمالية والتفصيلية، وتحديد ضوابط مراعاة معهود العرب في الخطاب بما يتناسب مع النصوص الشرعية ببيان أنواع المعهود، وشروط مراعاته، وعلاقته بالمقصد من الخطاب، وكذلك النظر في تقنين ربط النص بمواقف وروده وسياقاته، مع توضيح نقطة الانطلاق في فهم العلاقة بين النص والواقع في التعامل مع الخطاب الشرعي، ومثلها النظر في تطوير أساليب بيان المقاصد في النصوص الشرعية، وتوضيح مدى تأثرها بالتطور اللغوي والتطور الاجتماعي والفكري.

وينبغي أن نحذر مما سبق أن أشار إليه الغزالي ([23]) من أن إقامة الدليل على منكري العلم والنظر، مع حب صناعة الكلام قد جرّ المتكلمين من الأصوليين إلى خلط مسائل كثيرة من علم الكلام بعلم أصول الفقه، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هي من علم النحو خاصة. ولعل الغزالي كان يحذر من إدراج الموضوعات التي لا يتعلق بها غرض في علم أصول الفقه. وهذا شيء ينبغي أن ننتبه له في محاولة تحديد معالم علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، ولا ينبغي تقليد بعض العلماء الذين يقحمون جلّ القضايا المعرفية في تخصصاتهم في العلوم الشرعية ([24]).

والمؤمل أن يؤدي البحث في المنهجية اللغوية الشرعية بشكل مستقل إلى مستوى علمي أعمق يجاوز مستوى التوفيق بين موضوعات متفرقة من مختلف العلوم الشرعية إلى تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية.

نحو منهجية لغوية مستقلة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير