تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويتركز التشابه بين علم أصول الفقه وعلم النحو بصورة خاصة في مبحث القياس، فضلا عن التشابه في مصطلحات تقسيم الحكمين الشرعي والنحوي، وأدلة الفقه والنحو الرئيسة. وتجدر الإشارة إلى أن صلة النحو بالفقه وأصوله صلة ذات شقين ([54]): شق تظهر فيه مقولات النحاة في أصول النحو محمولة على أصول الفقه، ولعل ابن جني أول من أشار إلى الصلة القوية بين أصول الفقه وأصول الكلام وبين أصول النحو في كتابه " الخصائص" ([55])، وقدم السيوطي نموذجا واضحا له في كتاب "الاقتراح" ([56]). وشق يظهر فيه أثر النحو الكبير في مباحث الفقه، وجاء كتاب الإسنوي تطبيقا عمليا لهذا الشق الثاني.

قضايا شرعية مبنية على أسس لغوية:

درس جمال الدين عطية ([57]) القواعد اللغوية وأشار إلى مكانها البارز في كتب أصول الفقه بسبب أهميتها في تفسير نصوص الكتاب والسنة واستخراج الأحكام منها، وإلى أن ابن السبكي قد أفرد لها قسما خاصا في كتابه " القواعد والأشباه والنظائر"، فبحث في حروف المعاني، والمركبات، وما ينبني على العربية من الفروع الفقهية، وأثر هذه القواعد في تفسير النصوص المختلفة. ويعتبر جمال الدين الإسنوي أول من خصص كتابا مستقلا عنوانه:" الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية" لدراسة القواعد النحوية التي بني عليها عدد من المسائل الفقهية. واهتم القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" بإبراز الأسس اللغوية للقضايا الفقهية التي عرضها. وتوجد جهود أخرى قديمة وحديثة في هذا الاتجاه. ونشير إلى جهود عبد القادر عبد الرحمن السعدي في مؤلفه الذي عنوانه: "أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية".

ونعرض فيما يلي لبعض القضايا الشرعية اللغوية:

حصر ابن رشد القرطبي ([58])، الأسباب المؤدية إلى الاختلاف بين الفقهاء في تحديد معاني الألفاظ التي تبنى عليها الأحكام في ستة: تردد الألفاظ بين العموم والخصوص ودلالة الخطاب، والاشتراك الحاصل في الألفاظ المفردة والمركبة، والاختلاف في الإعراب لأهميته في التمييز بين المعاني التركيبية، وتردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على المجاز، من حذف، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخير، أو تردده على الحقيقة أو الاستعارة، وإطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة أخرى، والتعارض بين الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي تؤخذ منها الأحكام، ومثله التعارض الحاصل في الأفعال، أو الإقرارات، أو القياسات، أو بينها جميعا. ويتضح من محاولة رجع الألفاظ إلى هذه الأسباب الستة أن معظم أسباب الاختلاف في أحكام الفروع الفقهية قائمة على أساس لغوي مما يدعو للرجوع إلى اللغة رجوعا كليا في توجيه قصد الإنسان لإصدار الحكم الشرعي على تصرفه. وترجع أسباب الاختلاف الباقية إلى أمور أخرى من غير اللغة، كالقياس، أو الإجماع، أو العرف، أو الاستحسان. وقد تأتي بعض الفروع الفقهية مخالفة لما تقتضيه قواعد اللغة العربية، أو مخالفة للأرجح من قواعدها، مع موافقتها للمرجوح ([59]).

وقد ذكر ابن السيد البطليوسي ثمانية أوجه للخلاف بين المسلمين بعضها متعلق ببعض، وهي: اشتراك الألفاظ والمعاني، والحقيقة والمجاز، والإفراد والتركيب، والخصوص والعموم، والرواية والنقل، والاجتهاد فيما لا نص فيه، والناسخ والمنسوخ، والإباحة والتوسع ([60]). ومن الواضح أن أربعة أوجه منها لها صلة مباشرة بالمسائل اللغوية، وفيها أغلب أوجه الخلاف.

ومما أورده الإسنوي ([61]) من القضايا الفقهية المؤسسة على القواعد اللغوية أن مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه. وإذا تقرر هذا فيتفرع عليه إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بما يستلذه هو أو غيره، بخلاف ما إذا قال (شيئا لذيذا) فإن العبرة فيه بالحالف فقط. ومسألة أخرى أن (إذا) ظرف للمستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط غالبا، وقد يقع للماضي .. ، وقد ينتفي فيها معنى الشرط ... وإذا دلت على الشرط فلا تدل على التكرار .. . إذا علمت ذلك فينبني على المسألة الأيمان والتعاليق والنذور. فإذا قال لزوجته مثلا: إذا قمت فأنت طالق، فقامت، ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا، فإنه لا يقع بهما شيء .. كما لا تدل (إذا) على التكرار لا تدل أيضا على العموم، .. وقيل تدل عليه. ومن فروع المسألة أن تكون له

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير