تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن يستألك لي إليه أي من يحمل رسالتي. وجاء فلان فاستألك ألوكته). أفليس هذا واضحاً جلياً. ومن الطريف أن يكون قائل هذا البيت سحيماً وهو عبد بني الحسحاس، وهو حبشي اشتراه أبو سعيد فشبب بابنته عميرة. وقد نسب لفظ (ألك) فيما نسب إلى الحبشية.

هذا ولا يخفى أن في المظان اللغوية العربية أن (الملائكة) من (ألك بين القول)، وأن أصل المادة عبري أو سرياني أو حبشي. وليس يعني هذا بالطبع أن ثمة تبعية لغوية بين سامية وأخرى. بل ليس في لغات الأسرة أمهات وأخرى بنات كما يقول الأستاذ (فندريس) في كتابه (اللغة) (7). ولا يمنع هذا أن يكون بين الألفاظ السامية المشتركة ما هو أعلق بلغة، منه بلغة أخرى. ولا يُقطع بهذا حتى يوقف على اشتقاق الكلمة. فقد تكون في لغة أظهر وأبرز منها في لغة أخرى أي أكثر تصرفاً. أو تكون واضحة الأصل في إحداها فريدة غريبة يتيمة في سواها. أو تكون الكلمة في المعنى الشائع للزنة التي جاءت بها في لغة ولا تكون كذلك في غيرها وهكذا ..

وقد عُني الأب أنستاس ماري الكرملي برد بعض الألفاظ العربية إلى السامية والاستعانة بالأصول السامية في استبانة معانيها وفك مُشكلها وإظهار مكنوناتها على نحو ما فعل في مجلة الثقافة القاهرية، وسواها.

هذا ما وددت الكشف عنه والتمثيل له في سبل تدرج المعاني في الكلم العربية وما تشعب عن ذلك من وجوه الرأي. وأرجو أن أكون قد وفقت إلى إيضاح المنهاج وجلاء الغامض والإفصاح عن المضمون فيما حاولت تحريره من المسائل في هذا القصد.

دمشق 10/ 2/1982

صلاح الدين الزعبلاوي

* * *

الحواشي:

(1) الدكتور حسين الهمداني في (مقدمة كتاب الزينة للشيخ أبي حاتم الرازي) والدكتور بدر الدين القاسم في ترجمة (تاريخ علم اللغة لجورج مونين).

(2) سكيت واتجاهاته في اللسانيات للدكتور شكري السيد الخلوي في (مجلة اللسانيات لمعهد العلوم اللسانية والصوتية بجامعة الجزائر)، العدد الرابع 73/ 1974.

(3) المصدر السابق.

(4) في علم اللغة الحديث تقسم البنية اللغوية إلى وحدات لغوية دالة، وأخرى غير دالة. ويقصد بغير الدالة حروف المباني أي حروف الهجاء، وهي أصغر صورة معتمدة، ويدعونها بالفونام. ويقصد بالدالة أصغر وحدة لغوية ذات معنى كالأسماء والأفعال وحروف المعاني ويدعونها بالمورفام، فالفونام أصغر وحدة للأصوات والمورفام أصغر وحدة للمعاني. وقد ميز العالم البولوني بودوان كورتناي المتوفى عام 1929، بين مفهوم الصوت اللغوي وبين الفونام الذي هو وحدة لغوية أساسية. ذلك أن الفونام لا يتضمن أصواتاً لغوية وإنما يتألف من صور صوتية هي وحدات نفسية لا مادية. ومن ثم فرّق كورتناي بين العلم الصوتي الفيزيائي، وهو علم الصوت نفسه، وعلم الصوت النفسي الذي سيغدو بارتقائه وتقدمه علم الأصوات الشفهية. ولكن ما حد الكلمة عند النحاة وحد المورفام في علم اللغة الحديث؟.

قال الإمام جلال الدين السيوطي في الهمع: (وقد اختلفت عباراتهم في حد الكلمة اصطلاحاً. وأحسن حدودها: القول المفرد المستقل أو المنوي معه- كالضمير المستكن وجوباً. فخرج بتصدير الحد بالقول غير ذلك من الدوال كالإشارة والخط .. وبالمفرد، وهو ما يدل جزؤه على جزء معناه، المركب كغلام زيد فهما كلمتان. وبالمستقل أبعاض الكلمات الدالة على معنى كحروف المضارعة وياء النسب وتاء التأنيث وألف ضارب، فليست كلمات لعدم استقلالها).

فتبين بهذا أن ما يدخل في حد المورفام من حروف المضارعة وياء النسب وتاء التأنيث وغيرها مما سمي أبعاض الكلمة لا يدخل في حد الكلمة، على ما اختاره السيوطي، لأنه ليس مستقلاً. على أنه استدرك فقال (ومن أسقط هذا القيد، قيد استقلال اللفظ، رأى ما جنح إليه الرضي، من أنها مع ما هي فيه كلمتان .. ). وهكذا أشبه حد المورفام في علم اللغة الحديث حد الكلمة عند الرضي، وبدأ هذا العلم مؤيداً لما جاء به بعض النحاة في إبراز البنية اللغوية. قال الرضي في شرح الكافية: (إن قيل إن في قولك مسلمان ومسلمون وبصري وجميع الأفعال المضارعة جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه، إذ الواو تدل على الجمعية والألف على التثنية، والياء على النسبة، وحروف المضارعة على معنى في المضارع، وعلى حال الفاعل أيضاً، وكذا تاء التأنيث في قائمة، والتنوين ولام التعريف وألف التأنيث، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركباً، وكذا المعنى، فلا يكون كلمة بل كلمتين، فالجواب أن جميع ما ذكر كلمتان صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة، فأعرب المركب إعراب الكلمة .. ).

وأنت ترى أن الحكم في ذلك اعتباري. ولكن أليس فيما ذهب إليه الرضي من إبراز البنية اللغوية للفظ جلاء لشأن هذه الدوال في تأليف هذه البنية وتحديد معناها؟ والرضي مع ذلك لم يخرج في تصوره لحد الكلمة ورسم نطاقها عن حدود الأوائل في تعريف الكلمة والاقتباس بها. فإذا كانت هذه الدوال قد دلت على ما دلت عليه من المعاني، فكيف تعتد من حروف المبالي أي حروف الهجاء، كما فعل الآخرون، وحروف الهجاء لا تعني غير الأصوات لا تختلف إلا باختلاف مقاطعها؟ ألم يقل سيبويه في فاتحة الكتاب (فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل)، والدوال المذكورة حروف جاءت لمعان، وليس هي بأسماء ولا أفعال، فهي على هذا الحد، كلم، كما ذهب إليه الرضي وغيره.

(5) التفكير واللغة لفيجوتسكي ترجمة الدكتور طلعة منصور المعرفة 178 لعام 976.

(6) البنوية والعقلانية لأنطون شاهين –المعرفة 136 لعام 1971.

(7) ترجمة الأستاذ عبد الحميد الدواخلي والأستاذ محمد القصاص.


مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد الثامن- السنة الثانية- تموز "يوليو" 1982.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير