تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو مكتوب بحِرْفِيّة واضحة، والروح السارية فيه روح غربية مخابراتية لا تخطئها العين ولا الأذن، والخبث والدهاء اللذان يغلِّفانه: سواء فى الأسلوب الكتابى أو فى طريقة العرض أو فى التلاعب بمنطق العقل ونصوص القرآن، وإن كانا لا ينطليان على من عنده مُخّ، أكبر من أن تستطيعهما فتاةٌ غِرَّةٌ وسحاقيّة مثلها، بل يتطلب نابًا شيطانيًّا أزرق من عتاة المستشرقين الكارهين للإسلام من أمثال برنارد لويس اليهودى وشيعته.

إنها تخلط بين الأمور خلطا شنيعا: فالقرآن مثلا يتحدث عن التوراة والإنجيل بوصفهما كتابين سماويين صحيحين، فتأتى هى وتتحدث عن أن المقصود هو كتب اليهود والنصارى الحاليّة رغم ما ورد فى القرآن أيضا أن ما بأيدى القوم الآن هو شىء آخر غير ما نزل على أنبيائهم، فقد حرَّفوا كتبهم ونَسُوا بعضها وعبثوا ببعضها، وإلا أفيمكن أن يكون ما نقرؤه فيها عن تصوير الله فى مواضع غير قليلة من العهد القديم تصويرا وثنيا يجسِّده سبحانه، وعن آدم وأنه ابن الله، وعن نوح وسُكْره وانكشاف سوأته، وعن لوط وسَقْى بنتيه إياه خمرا ومضاجعة كل منهما له وحبلهما منه، وعن إبراهيم ورضاه بالتدييث على زوجته، ويعقوب ومصارعته لله وتكتيفه إياه، وعن هارون وصنعه العجل الذهبى ليعبده بنو إسرائيل، وداود وزناه بزوجة جاره وقائده العسكرى وقتله إياه تآمرا وغدرا، وسليمان ومساعدته لزوجاته فى عبادة آلهتهن الوثنية فى بيته ونَظْمه لـ"نشيد الأناشيد" المفعم بالعهر وتزيين الشهوات الجنسية، والمسيح وتعمُّده على يد يحيى، والمفروض أن يحيى ما هو إلا واحد من عباده ما دام هو الله، وطمع إبليس فى اختبار إيمانه وأخلاقه رغم أنه هو رب إبليس وكل الأباليس الذين فى الدنيا أجمعين، وموته على الخشبة رغم ما جاء فى العهد القديم من أن من عُلِّق على خشبة فهو ملعون، وتأكيده أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله ثم نقْضه للتوّ لكل النواميس التى أتى بها موسى، ثم بولس وزعْمه أنه رأى الله (أى المسيح) فى السماء عيانا بيانا وتخبُّطه فى الحديث الذى ادعى أنه دار بينهما بما لا يدخل العقل ... ، أفيمكن أن يكون هذا كله وأمثاله، وهو كثير جدا، هو ما يقول القرآن عنه إنه وحى سماوى ويوجب على المسلمين تصديقه والإيمان به؟ لذلك فإن المسلم يؤمن أن ما جاء به محمد هو وحده الدين الصحيح. ولسوف نرى بعد قليل أن اليهود يرَوْن أن دينهم هو وحده الدين الصحيح. ولم يقل أحد لهم شيئا، فكل إنسان حر فى أن يعتقد ما يشاء، ويوم القيامة نمثل أمام الديان فيحاسبنا على ما كنا نقول ونعتقد، ويتبين الحق من الباطل، والرشد من الغَىّ.

أما قوله تعالى الذى استشهدتْ به مانجى من أن اليهود والصابئين والنصارى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا يعنى ما تريد أن تُدْخِله فى رُوع القراء من أن أولئك الأقوام داخلون الجنة حتى لو بَقُوا على أديانهم المنحرفة، بل تعنى أن الباب فى الإسلام مفتوح أمام أهل الأرض جميعا للإيمان بدعوة محمد والنجاة من ثمّ فى الآخرة حتى لو لم يكونوا من العرب الذين آمنوا فى البداية بمحمد، إذ العبرة فى الدين الخاتم أنه دين عالمى لا دين عصبية قبلية أو قومية مثلا. ولهذا نجد أن الإسلام قد علَّق تلك النجاة على إيمانهم بالله واليوم الآخر وعملهم الصالحات: "إن الذين آمنوا، والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (المائدة/ 69. وفى البقرة آية أخرى مشابهة لهذه هى الآية 62)، والإيمان بالله واليوم الآخر لا يصح إلا إذا آمن الشخص بجميع الأنبياء والمرسلين بما فيهم، بل وعلى رأسهم، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك واضح من الآيات التالية: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون: نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا* أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينا" (النساء/ 150 - 151)، "وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدِّقُ الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها. والذين يُؤْمِنون بالآخرة يُؤْمِنون به، وهم على صلاتهم يحافظون" (الأنعام/ 92)، "قال: عذابى أُصِيبُ به من أشاء، ورحمتى وسِعَتْ كل شىء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير