الصحابي يكون قد سمعه من صحابي آخر سمعه من النبي (ص). وهذا القول "قال رسول الله" شهادة من القائل وجزم بأن النبي (ص) قد قال هذا. ولو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان الصحابي شاهدا على رسول الله (ص) بغير علم. وهذا لا يقوله مسلم. [وانظر بعضا من هذا الكلام في إعلام الموقعين 2: 394]
أدلة السنة:
1 - عن أنس قال: قال (ص): (من رغب عن سنتي فليس مني). رواه البخاري (6/ 116) وهو حديث صحيح أجمع على صحته أهل القبلة كلهم لاحتجاجهم به في كل كتبهم. وكلمة (سنتي) شاملة لأخبار النبي (ص) في العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد.
وانظر إلى الوعيد الذي ذكره (ص) فهو شديد شديد. ومن هذا نستفيد أن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم اليقيني والعمل, وإلا كان ذكر هذا الوعيد من اللغو والعبث .. حاشا لله.
2 - قال البخاري (4486): (حدثنا أبو نعيم سمع زهيراً عن أبي إسحاق عن البراء ? أن رسول الله ? صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً. وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وأنه صلَّى – أو صلاّها – صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي ? قِبَلَ مكة فداروا كما هم قِبَلَ البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَلَ البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143]) اهـ.
وجه الاستدلال: أن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح-كما روى البخاري, وأجمعت الأمة على صحة ذلك الحديث فقد تلقته الأمة بالقبول وروته قرنا بعد قرن من غير نكير- أن القبلة قد حولت إلى الكعبة, قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة, ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. ولقد كانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى, فما توقف أحد منهم ولا قال: أتم صلاتي حتى استوثق بعد ذلك أَحُوِّلَتِ القبلة أم لا لاحتمال أن يكون كاذباً. ما خطر هذا في بال أحدهم. فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم.
3 - ما رواه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال (كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ, فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها, فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى كسرتها).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث الصحيح: أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالا, وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة. وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه, وهو مال, وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله (ص) ورسول الله إلى جنبه. فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من النبي (ص) بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه.
4 - قال (ص) في الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول, ولم يقدح في صحته أحد: " بلغوا عني", وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة " أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون". قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم. فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد. فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال أن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم أحد أمرين:
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ.
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي علماً.
¥