تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويدل على هذه القاعدة أيضا من جهة القرآن، قوله تعالى- حكاية عن نوح عليه السلام- (إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) هود 47. ومعناه: ما ليس لي بجواز سؤاله علم، فدلّ ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى في ذلك السؤال وأنه جائز، وذلك سبب كونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا؟ فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لابد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه.

إذا تقرر هذا فمثله أيضا قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الإسراء:36. نهى الله تعالى نبيّه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شئ حتى يعلم، فيكون طلب العلم واجبا في كل حالة. ومنه قوله (ص): " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".

قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم قسمان: فرض عين وفرض كفاية، ففرض علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ماعدا ذلك. اهـ كلام القرافي.

2 - أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وذلك جزم منهم بأنه قاله، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين أن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر ونهى وفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويروى عنه ونحو ذلك.

3 - خبر الواحد العدل لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم- فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادتهم زوراً وقولاً على الله ورسوله بغير علم ولعمر الله هذا حقيقة قولهم وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها.

4 - قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة (217): "أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله وفي مسائل القدر، والرؤية، وأصل الإيمان، والشفاعة والحوض، وإخراج الموحدين المذنبين من النار، وفي صفة الجنة والنار، وفي الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، وكذلك أخبار الرقائق والعظات، وما أشبه ذلك مما يكثر عدَّه وذكره، وهذه الأشياء كلها علمية لا عملية، وإنما تروى لوقوع علم السامع بها" اهـ.

ومما يؤكد لك ذلك, هذه الأمثلة:

أ- لما قال معبد الجهني وجماعة معه في البصرة بالقدر، وبلغ ذلك ابن عمر من طريق يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري قال ابن عمر: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"، ثم روى عن أبيه الحديث المشهور الذي فيه سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه رسول لله صلى الله عليه وسلم على أسئلته إجابة شافية، ومن إجابته عن السؤال عن الإيمان قوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". روى كل ذلك مسلم في صحيحه.

والشاهد أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر اكتفى في هذه المسألة العقدية الكبيرة بالاحتجاج بالسنة النبوية مع أن هناك آيات في الإيمان بالقدر.

ب- عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها " قال: فقال بلال أن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سباً سيئاً ما سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: "والله لنمنعهن". رواه مسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير