وأما الفيء فهو كل مالٍ أُخذ من الكفارِ من غير قتالٍ ولا إيجاف خيلٍ ولا رِكاب كأموال بني النضير (12). وتقسيم الفيء هو كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ما حصل من أموال الكفار بغير قتالٍ قُسِّم على خمسة أسهم: أربعةٌ منها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم وكان الخمسُ الباقي على خمسة أسهمٍ: سهمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً وسهمٌ لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب لأنهم مُنعوا الصدقة فجُعل لهم حق في الفيء، وسهمٌ لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل) (13). فعُلم أن الأسهم التي يحصلُ عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة والفيء دخلٌ وفير يكفيه وأهله، وفي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كانت أموالُ بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بِخَيْلٍ ولا رِكاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّة. وكان ينفقُ على أهله نفقة سنتِهِ ثم يَجعلُ ما بقي في السلاح والكُراعِ (14) عدَّةً في سبيل الله. وبوَّب الإمام ابن هشام رحمه الله في (السيرة النبوية 4/ 325) باباً: ذِكر ما أَعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءَه من قَمح خيبر: قسَّم لهن مائةً وثمانين وَسَقًا (15)، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسةً وثمانين وسقًا.
ثالثاً: الهباتُ والهدايَا التي أعطيت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يرشدُ أصحابه إلى التهادي (16)، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا نساءَ المسلماتِ لا تَحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها
ولو فِرْسِنَ (17) شاةٍ" (18). وقال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: "لو دُعيتُ إلى ذراعٍ أو كُراعٍ لأجبتُ، ولو أهديَ إليَّ ذراعٌ أو كراعٌ (19) لقبِلْتُ" (20).
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "أنْفَجْنا (21) أرنباً بمَرِّ الظهرانِ فسَعى القومُ فلَغِبُوا (22) فأدركتُها فأخذتُها فأتيتُ بها أبا طلحةَ فذبَحَها وبعثَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بورِكِها أو فَخِذَيْها فقَبِلَه. قلت: وأكل منه .. ) (23). وعن الصَّعبِ بن جَثَّامَةَ الليثِي: أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلمَ حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بِوَدَّان، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنَّا لم نردَّه عليك إلا أنا حُرُمٌ" (24). وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: أهْدَتْ أم حفيدٍ خالةُ ابن عباسٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقِطاً وسمْناً وأَضُبًّا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضبَّ تقذُّراً. قال ابنُ عباسٍ فأُكِل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً ما أُكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (25).
فهذه الأحاديث دلَّت على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعطَى كثيراً من الهدايا والهبات بحيث اعتبرْناها أحد مصادر الدخلِ لدى النبي صلى الله عليه وسلم.
تحريراً في يوم الأحد 2/ 7/1426هـ
1 - رقم الحديث (2072).
2 - رقم الحديث (2379).
3 - رقم الحديث (2047).
4 - رقم الحديث (2097). والْأُوقِيَّةُ بضم الهمزة وتشديد الياء وهي: أربعون درهماً.
5 - رواه البخاري برقم (2138).
6 - أي العبد المُدَبَّر وهو: العبد الذي علَّق مالكه عِتقه بموت مالكه سمي بذلك أن الموت دُبُر الحياة. انظر (فتح الباري (4/ 531).
7 - رواه البخاري برقم (2141).
8 - رقم الحديث (2230).
9 - رواه البخاري برقم (2216). ومعنى (مُشعانٌّ) طويل شعثُ الشعر، انظر (الفتح 4/ 518).
10 - والولاءُ هو: حق ميراث المُعتِق من العبد المُعتَق، انظر (فتح الباري 5/ 207).
11 - اختلف في السهم الذي هو لله: فقال بعضهم هو الذي يجعل في الكعبة، وقال كثير من المفسرين السهم الذي لله ولرسوله واحد وهو الصحيح إن شاء الله، انظر تفسير ابن كثير (2/ 410).
12 - انظر تفسير ابن كثير (4/ 428).
13 - انظر تفسير القرطبي (18/ 14).
14 - الكراع: اسمٌ لجميعِ الخيلِ، انظر (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ).
15 - والوسق: ستون صاعاً، انظر (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/ 184).
16 - التهادي هو أن يُهديَ بعضهم بعضاً، انظر (مختار الصحاح للرازي 1/ 288).
17 - الفِرْسن: عَظْمٌ قَليل اللَّحْم , وهو خُفُّ البَعير , كالحاَفر للدّابة. (انظر النهاية في غريب الحديث 3/ 429).
18 - رقم الحديث (2566).
19 - ومعنَى الكراعِ هنا: هو مُسْتَدَقُّ الساقِ العاري من اللحم، والجمعُ: أَكْرُعُ ثم أَكارِعُ. وفي المَثلِ: أُعْطِيَ العَبْدُ كُراعاً فطَلَب ذِراعاً، لأَنَّ الذراعَ في اليدِ وهو أَفضل من الكُراعِ في الرِّجْل (لسان العرب 8/ 307).
20 - رقم الحديث (2568).
21 - أي أثرنا الأرنب فوثَبتْ (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 313).
22 - أي تعبوا (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 289).
23 - رقم الحديث (2572).
24 - رواه البخاري برقم (2573).
25 - رقم الحديث 2575).