تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رجل: زوجنيها. قال: "أعطها ثوباً". قال: لا أجد. قال: "أعطها ولو خاتماً من حديد" فاعتلَّ له فقال: "ما معك من القرآن؟ " قال: كذا وكذا. قال: "فقد زوجتكها بما معك من القرآن". وهذا لفظ البخاري.

قال الإمام النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم 9/ 213): (وفي هذا الحديث أنه يجوزُ أن يكونَ الصداقُ قليلاً وكثيراً مما يتموَّلُ إذا ترَاضى به الزوجانِ لأنَّ خاتمَ الحديدِ في نهايةِ من القِلَّةِ، وهذا مذهبُ الشافعيِّ وهو مذهبُ جماهِيرِ الْعُلَمَاءِ منَ السَّلفِ والخَلف).

قال الإمام الصنعاني في (سبل السلام 3/ 115): (لا بد من الصداق في النكاح وأنه يصحُّ أن يكون شيئاً يسيراً، فإن قوله: "ولو خاتماً من حديد" مبالغةٌ في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان أو مَن إليه وِلاية العَقدِ مما فيه منفعة. وضابطه أن كل ما يصلح أن يكون قيمةً وثمناً لشيء يصحُّ أن يكون مهراً. ونقل القاضي عياض الإجماعَ على أنه لا يصح أن يكون مما لا قيمةَ له ولا يحل به النكاح ... وكذلك قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولاً .. ) وقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم .. ) دالٌّ على اعتبار المالية في الصَّداق حتى قال بعضهم: أقله خمسون وقيل أربعون وقيل خمسة دراهم، وإن كانت هذه التقادير لا دليل على اعتبارها بخصوصها).

قلت: ولكن أفاد بعض الأحاديث والآثار أن التقليل في المهرِ هو الأفضل من التكثير ومن هذه الأحاديث: الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وغيرهما من حديث عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساءِ بركةً أيسرُهُنَّ صَدَاقًا" وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ولكن هذا الحديث ضعيف فقد قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 4/ 255): (رواه أحمد والبزار وفيه ابن سخبرة يقال اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك). وقد ضعَّف الشيخ الألباني هذا الحديث كما في إرواء الغليل. وقد دلَّ على معنى هذا الحديث حديثان آخران أولهما حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُهنَّ أيسرُهنَّ صَدَاقاً" رواه ابن حِبَّان والطبراني وقال الهَيْثَمِيُّ في (مجمع الزوائد 4/ 281): رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جابر الجعفي وهو ضعيف وقد وثقه شعبة والثوري، وفي الآخر رجاءُ بن الحارث ضعَّفه ابن مَعين وغيره وبقية رجالهما ثقات. والآخر حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من يُمن المرأةِ تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها" قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 4/ 225): رواه أحمد وفيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات.

فتبيَّن لنا بعد ذكر هذه الأحاديث والآثار أن المهر ليس محدَّدَ المقدارِ، بل يجوز الصداق بالقليل والكثير. ولكن استحبَّ العلماء رحمهم الله أن يكون المهر خمسمائة درهم لكون ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 215): "واستدلَّ أصحابُنا بهذا الحديثِ على أنه يُستحبُّ كونُ الصَّداقِ خمسمائةِ درهمٍ، والمراد في حق من يَحتملُ ذلك، فإن قيل: فصداق أم حبيبةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم كان أربعةَ آلافِ درهمٍ وأربعمائة دينارٍ فالجواب: أنَّ هذا القدر تبرَّع به النجاشيُّ من ماله إكراماً".

تحريراً في 3/ 7/1426هـ


1 - قال النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 215): (أما الأوقية فبضم الهمزة وتشديد الياء. والمراد: أوقية الحجاز وهي أربعون درهماً وأما النَّشُّ فبِنونٍ مفتوحة ثم شين معجمة مشددة).
2 - قال الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير 3/ 191): (إطلاقه أن جميع الزوجات كان صداقهن كذلك محمول على الأكثر وإلا فخديجة وجويرية بخلاف ذلك، وصفية كان عتقها صداقها، وأم حبيبة أصدقها عنه النجاشي أربعة آلاف كما رواه أبو داود والنسائي).

ـ[الجعفري]ــــــــ[10 Aug 2005, 08:33 ص]ـ
جزاك الله خيراً أبا عمار على هذا البحث القيم وليت أولياء أمور البنات يأخذون بالأفضل حتى يسهل الزواج على الشباب.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير