لو أن أحمد بن حنبل – رحمه الله – لم يقف ذلك الموقف الصعب الصلب , في وجه قادة الفتنة , من أساطين المبتدعة , المدعومين من حكام لم يدركوا خطورة ما فعلوا واستسلم لـ (لا أستطيع – مستحيل) , فهل يا ترى يكون قد تحقق ذلك النصر المذهل , لأهل السنة على يد رجل واحد، تخلى عنه أقرب الناس إليه، وبقى في الميدان وحيداً، يواجه عتاة الفتنة العمياء، وتأول المحبين؟!. لو أن صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله - استسلم لذلك الذل الرهيب , الذي كانت تعيشه الأمة تحت استعمار الصليبيين، وهم يدنسون بقعة من أقدس البقاع في الأرض، معللاً نفسه بأنه: لا يستطيع أن يواجه تلك القوى الغاشمة , التي تملك أقوى الأسلحة المادية، مع الدعم اللا محدود من كثير من بلدان العالم، ورضى لنفسه ما رضيه كثير من حكام زمانه؛ بالخضوع والخنوع, مع ضمان الملك والسلطان. لو أنه فعل ذلك، وقال: إن إخراج النصارى ومواجهتهم مستحيلة، أكانت القدس تطهر من براثن الصليبيين وحقدهم؟!! قد تمر سنوات طويلة؛ حتى يتحقق ما تحقق على يد صلاح الدين في حطين، وما أشبه الليلة بالبارحة!
إن هاتين الكلمتين - مع ما بينهما من فرق في اللغة والدلالة والمعنى - فقد أصبحتا قانوناً لكل عجز, وتأخر, وتفريط. تساقان للتبرير, والتخدير, وتحطيم العزائم ووأد النجاح
لو أن شيخ الإسلام، ابن تيمية – رحمه الله – لم يشمر عن ساعد الجد علماً وعملاً وجهاداً، في زمن سيطر عليه الجمود، وارتفعت فيه أصوات أهل الباطل، من المبتدعة، وأرباب الكلام، مع هزائم سياسية وعسكرية؛ عانت منها الأمة في وقته لو أنه استسلم لعقيدة (لا أستطيع – مستحيل)، أيكون قد حفظ لنا التاريخ ذلك التراث الضخم من البطولات، والصولات، والجولات، والعلم الغزير، والمنهج السديد الرصين، والتحدي للباطل - حتى آخر نفس من حياته، وهو فرد واحد، ولكنه كان يأوي إلى ركن شديد؟!!
ولو أن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وقد وجد الجزيرة تعيش في ظلمة الجهل، والبدع، والتقليد، والتعصب، لو أنه رضي لنفسه ما رضيه غيره من الطيبين والأخيار، وتناغم مع ذلك الوهم الذي أصبح واقعاً: (لا أستطيع – مستحيل)، فهل يا ترى تكون الجزيرة قد تخلصت من بدعها، وشركياتها واستيقظت من نومها , وسباتها؟!! علم ذلك عند ربي جل وعلا.
وتاريخنا الطويل مليء بمثل أولئك الرواد من القادة، والمصلحين، والمجددين، الذين سطروا بمداد من نور أروع الأمثلة، والنماذج على قدرة المسلم على تحطيم اعتي العقبات الحسية، والمعنوية دون أن يستسلموا للهزيمة النفسية والتخدير المركب.
سيقول كثيرون: إن أولئك الرجال عظماء، وقليل ما هم!!
فأقول: إننا لم نعرف أنهم عظماء؛ إلا بعد أن سجلوا تلك الصفحات المشرقة وقاموا بتلك البطولات الرائعة في شتى الميادين؛ وإلا فإنهم قبل ذلك رجال عاديون؛ ولكنهم - لأسباب كثيرة - تدرجوا في قصة النجاح الطويلة، التي جعلت منهم أبطالاً وقادة. وكان على قمة تلك الأسباب: تحطيم ذلك الوهم الكبير (لا أستطيع – مستحيل).
* * *