تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلاَّ أن الحافظ ابن كثير رحمه الله نبَّه على أمورٍ تتعلَّق بالمسألة كافيةٍ لردِّ كلام النووي السابق وهي كما يلي:

1 - أنه لم يَرِدْ نقلٌ صحيحٌ عن النبيِّ صلى الله عليه في إثبات الرؤية. قال ابن كثيرٍ 4/ 321: (وقوله تعالى: (لقد رأى من آياتِ ربِّه الكبرى) كقوله (لنريهُ من آياتنا ... ) أي الدالةُ على قدرتنا وعظمتنا. وبهاتين الآيتين استدلَّ من ذهبَ من أهل السنَّة أن الرُّؤيةَ تلك الليلة لم تقعْ لأنَّه قال: (لقد رأى من آيات ربِّه الكبرى) ولو كان رأى ربَّه لأَخبرَ بذلكَ ولقال ذلك للنَّاسِ). وهذا جواب سديدٌ من الإمام ابن كثير رحمه الله. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربَّه لكان ذلك أعظم أمرٍ حصل له في تلك الليلةِ ولكان قد أخبر بذلك أصحابَه رضي الله عنه.

2 - إن جمهورَ السلفِ من الصحابة والتابعين قد خالفوا ابن عباسٍ في إثبات الرؤية. ويفهم هذا من عبارته الأولى.

3 - إن من أثبت الرؤية البصريةَ ليس له مستندٌ، ولا يصح في ذلك شيءٌ عن الصحابةِ ولا عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما. قال في 4/ 317: (وقوله تعالى: (ما كَذبَ الفؤادُ ما رأى - أفتمارونَهُ على ما يرى) قال مسلمٌ حدثنا سعيدٌ وعثمانُ حدثنا وكيعٌ حدثنا الأعمشُ عن زيادِ بنِ حصينٍ عن أبي العاليةِ عن ابن عباسٍ (ما كذب الفؤاد ما رأى - ولقد رآه نزلةً أخرى) قال: رآه بفؤادِهِ مرَّتين. وكذا رواه سماكٌ عن عِكرمةَ عن ابن عباسٍ مثلَه، وكذا قال أبو صالحٍ والسُّدي وغيرُهما أنه رآه بفؤاده مرتين. وقد خالَفَهُ ابن مسعودٍ وغيرُه. وفي روايةٍ عنه أنه أطلَق الرؤيةَ وهي محمولةٌ على المقيَّدة بالفؤادِ. ومن روى عنه بالبصرِ فقد أغربَ فإنه لا يصحُّ في ذلك شيءٌ عن الصَّحابة رضي الله عنه. وقولُ البغويِّ في تفسيره: وذهب جماعةٌ إلى أنه رآه بعينهِ؛ وهو قول أنسٍ والحسن وعكرمة فيه نظرٌ والله أعلم).

وبعد هذا التفصيل السريع أقول: إنه إذا خالف العلماء المتأخرون جماهيرَ السلف فالمعول على قول السلف، وخاصة إذا كانت المخالفة في العقيدة أو في الغيبيات. ودعْ عنكَ قولَ من يقول: "إن مذهبَ السلفِ أسْلَم ومذهب الخلفِ أحْكَم"، وقد تأثر بهذه المقولة كثيرٌ من العلماء المتأخرين. ولعلي أوضِّحُ هذا التأثُّرَ بشيء من التفصيل فيما بعد إن شاء الله تعالى. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير