فإذا غض الإنسان بصره عن الحرام إيماناً ويقيناً بأن هذا حرام، وامتثالاً لأمر الله القائل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] {آتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه} وليس في هذه الدنيا قط حلاوة أعظم من حلاوة الإيمان؛ فهي التي إذا ذاقها الإنسان وطعمها ينسى حلاوة كل شيء، فقد ذاق الصحابة الكرام حلاوة الإيمان؛ فرأينا منهم العجب العجاب!
أراد صهيب أن يهاجر وجاء أهل مكة ليمنعوه، فتحرك قلبه بالإيمان وتعلق بالمدينة، وتعلق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشرى نفسه منهم بماله كله في مكة، ولسان حاله يقول: خذوا كل ما أملك ودعوني بهذا الجسد الذي لا شيء عليه؛ لأذهب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك سلمان رضي الله عنه الذي أخذ يسأل الأحبار والرهبان، يريد أن يعرف من هو نبي آخر الزمان، حتى رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمن به وصدقه، فكل لذات الدنيا ونعيمها لا يساوي أن تذوق طعم ولذة الإيمان!
والصحابي الذي كان يقرأ القرآن فذاق من طعم القرآن ومن حلاوة الإيمان ما شغله عن السهام وهي تخترق جسمه سهماً بعد سهم، وهو واقف منتصب لم يكفَّ عن قراءة القرآن؛ وكل إنسان يمكنه أن يجد من مطعومات الدنيا ومشروباتها ما يشاء، لكن طعم الإيمان فضل يختص الله به من يشاء.
التغيير ومحاربة الفساد
لا بد أن نكف أعيننا عن مشاهدة هذه المناظر الخبيثة السافلة الهابطة، التي لو أن هناك أمة من الأمم الجادة العاقلة حتى من لا دين لها؛ فلن ترضى أن ينغمس شبابها فيها؛ فكيف بأمة القرآن وأمة الإيمان وأتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
الأمة التي قال الله عنها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].
فواجب هذه الأمة أن تحارب الفساد والانحلال في أمريكا، وفي روسيا، في الشرق وفي الغرب؛ فكيف تعرضها وترضى بها وتراها وتسمعها؟!
حتى إن الشاب الغريب الْمُسْتَنْكِر الذي لا يراها!! يُلمز ويقال عنه: (عجيب! ماذا لديه؟) (هذا عجيب! لقد تاب) ويستنكر منه -أيضاً- حتى في أوقات الخير وفي مواطنها!!
فنحن إذاً لسنا أهلاً لأن نتاجر مع الله -في مواسم الخير هذه- ونحن على هذه الحال!
8 - رمضان فرصة المؤمن لإعداد نفسه
هذه أيام تمضي شاهدة لنا أو علينا، والحجة قائمة، وإن كانت في أي مكان قائمة؛ فهي في هذه البلاد أكثر قياماً، ونحن إن شئنا الحق فهو موجود.
والمسلمون في بعض البلاد يريدون أن يقوموا بما يفرض عليهم، فيفرض عليهم ألَّا يفعلوا، فيريدون -مثلاً- أن يقرءوا القرآن، أو فعل أي عمل آخر ويفرض عليهم ألَّا يعملوا.
وأيضاً: كيف يقومون بذلك وهم لا يجدون العلم الصحيح .. ولا يجدون الدعوة الصحيحة؟
وأما نحن فمن فضل الله علينا أن العلم -عندنا- والوقت والمال والأمن كله موجود، وكل ما يوفر لنا العبادة متيسر وموجود، وحلقات الذكر موجودة، وتعليم القرآن متيسر، وإن كان في بعضها شيئاً من المشقة.
وكما أننا في مواسم الدنيا قد نسهر ولا ننام فلنكن كذلك في مواسم الخير؛ فالحجة قائمة، والعلم بين أيدينا ظاهر، فما من حرام حرمه الله ورسوله ونرتكبه إلا ونحن نعلم أنه حرام، لهذا نخشى العقوبة؛ لأنه لا حجة لنا عند الله ولا عذر لنا بين يدي الله، فإننا نسمع العلماء في الإذاعة وفي الأشرطة المسجلة، وإن شئنا اتصلنا بهم بالهاتف ليفتونا ويعطونا الأدلة.
فأين نحن من العمل؟!
إذاً فهذا محك واختبار، فلنختبر أنفسنا -قبل أن يأتي هذا الشهر- ولنعدها، فالفرق بين المؤمنين والمنافقين: أن المؤمنين يعدون العدة وقد لا يبلغون ما يريدون، أما المنافقون فإنهم لا يعدون العدة؛ ولهذا قال الله تعالى عنهم: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46] فالمنافقون لو كانوا -حقاً- يريدون الخروج، لأعدوا له العدة؛ ولذلك فإن نفاقهم يظهر في عدم إعدادهم للعدة.
¥