نحن لم نطلع على البحث المطروح، ولكن مضمونه معروف من المقدمة التي ذكرها أخونا خيال الغلباء مشكورا، وواضح من هذه المقدمة التي نحكم بضوئها أن الباحثة جانبت الصواب في بحثها، وهي تظن أنها قد أحسنت الصنع.
فهناك فرق بين إيراد البيت للاستشهاد وبناء القاعدة عليه، وبين إيراده للتمثيل به فقط دون أن تبنى عليه قاعدة.
لذلك نرى أبيات للمتنبي عند ابن جني، وابن هشام - رحمهم الله - وغيره من الشعراء كثير.
وإذا نظرنا إلى المقدمة التي ذكرت وجدنا هجوما على سيبويه، وهذا الهجوم قديم، وقد فندت هذه المسألة الأستاذة الدكتورة خديجة الحديثي - حفظها الله - في كتابها الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه.
فالبيت الذي ذكر وقيل أنه لبشار بن برد هو:
وما كل ذي لبٍ بمؤتيك نصحه** وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
ولم يبن ِ عليه سيبويه - رحمه الله- قاعدة نحوية، بل كان حديثه عن إرداف القوافي.
والأمر المهم هو أن البيت لم ينسبه سيبويه - رحمه الله- لبشار، ولم ينسبه الأعلم الشنتمري - رحمه الله- لبشار، وكثيرٌ من المراجع تنسب البيت لأبي الأسود.
الأمر الآخر ما ذكر في المقدمة من أنّ جار الله الزمخشري - رحمه الله - استشهد بشعر أبي تمام - رحمه الله -، وهذا الكلام صحيح من جهة أنّه استشهد بشعر حبيب، وغير صحيح من أن الزمخشري كان قد خالف أصوله في منع الاستشهاد بكلام المولدين ومن بعدهم.
فالزمخشري نقل عنه السيوطي - رحمه الله - في الاقتراح، وغيره من أنّه أجاز الاستشهاد بمن يوثق بعربيته ولغته من علماء العربية فقط.
والبيت الذي استشهد به في الكشاف قول أبي تمام:
هُمَا أَظْلَمَا حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا**ظَلاَمَيْهُما عنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أشْيَبِ
وهو جواز جعل الفعل (أظلم) متعديا، وغير متعد.
وقد علق جار الله الزمخشري عليه قائلا:" وهو وإن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه ".
فأين الزمخشري من الذين نهوا عن الاستشهاد واستشهد بما نهى عنه؟
الواضح أّن البحث جانبه الكثير من الصواب، فأرجو أن ينقل للمنتدى كاملا لكي يفنده الأخوة الأفاضل، ويصححوا ما به.
والله أعلم