تركوا ذلك بالكلية، مع شدة الحاجة إليه، فإن اللغة والنحو يجريان مجرى الأصل للاستدلال بالنصوص» اهـ.
ولو فعلوا ذلك وحققوا اللغة الصحيحة، لما بقي للمتكلمين حجة في تأويلاتهم البعيدة عن اللغة التي نزل بها القرآن، فجلهم أعاجم لا دراية لهم بأساليب لغة العرب.
المجيزون:
وهناك عدد من المتأخرين يرون خلاف هذا القول وعلى رأس هؤلاء:
ابن مالك ت 672 هـ، صاحب الألفية، وأبو الحسن الحضرمي المعروف بابن خروف الأندلسي ت 609 هـ، والسهيلي ت 581 هـ، في أماليه وابن الأنباري، وابن هشام، والدماميني، وابن منظور والرضي الأسترآبادي ت 686 هـ، شارح أبيات كافية ابن الحاجب، وابن هشام ت 761 هـ وبعض المعاصرين ....... الخ. وقد سبق ذكر حججهم في ثنايا مناقشة رأي الطائفة الأولى.
المتوسطون في المسألة:
ومن أبرز ممثّلي هذا الاتّجاه أبو إسحاق الشاطبي ت 790 هـ.
حيث قال في "شرح الألفية":
"لم نجد أحداً من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم، الذين يبولون على أعقابهم، وأشعارهم التي فيها الفحش والخنى، ويتركون الأحاديث الصحيحة، لأنها تنقل بالمعنى، وتختلف رواياتها وألفاظها، بخلاف كلام العرب وشعرهم، فإن رواته اعتنوا بألفاظها، لما ينبني عليه من النحو، ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب، وكذا القرآن ووجوه القراءات.
وأما الحديث فعلى قسمين:
قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه، فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان.
وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص، (كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه وسلم، ككتابه لهمدان، وكتابه لوائل بن حجر، والأمثال النبوية)، فهذا يصح الاستشهاد به في العربية. وابن مالك لم يفصل هذا التفصيل الضروري الذي لابد منه، وبنى الكلام على الحديث مطلقاً، ولا أعرف له سلفاً إلا ابن خروف؛ فإنه أتى بأحاديث في بعض المسائل حتى قال ابن الضائع: لا أعرف هل يأتي بها مستدلاً بها، أم هي لمجرد التمثيل؟ والحق أن ابن مالك غير مصيب في هذا، فكأنه بناه على امتناع نقل الحديث بالمعنى، وهو قول ضعيف". اهـ
وقد تبعه السيوطي في "الاقتراح" فقال:
"وأما كلامه صلى الله عليه وسلم، (فيستدل منه بما أثبت أنه قاله على اللفظ المروي)، وذلك نادر جداً، إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضاً، فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى، وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها، فرووها بما أدت إليه عباراتهم، فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وأبدلوا ألفاظاً بألفاظ؛ ولهذا ترى الحديث الواحد "في القصة الواحدة" مروياً على أوجه شتى بعبارات مختلفة، ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث".
ثم نقل كلام ابن الضائع وأبي حيان، (وهما من المانعين) وقال: "ومما يدل على صحة ما ذهبا إليه، ... أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون. وقد استشهد به السهيلي، ثم قال: لكني أنا أقول: إن الواو فيه علامة إضمار، لأنه حديث مختصر. رواه البزار مطولاً. فقال فيه: "إن لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل وملائكة بالنهار".
وقال ابن الأنباري -في الإنصاف- في منع "أن" في خبر "كاد". وأما حديث "كاد الفقر أن يكون كفراً" فإنه من تغيير الرواة، لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد".
وبعد هذا الاختلاف فقد لخص مجمع اللغة العربية بالقاهرة الأحاديث التي يصح الاستشهاد بها فأصدر قراراً بهذا الشأن:-
أولا: لا يحتج في العربية بحديث لا يوجد في الكتب المدونة في الصدر الأول كالكتب الصحاح في السنة النبوية فما قبلها.
ثانيا: يحتج بالحديث المدون في هذه الكتب الآنفة الذكر على الوجه الآتي:-
أ-الأحاديث المتواترة المشهورة.
ب-الأحاديث التي تستعمل ألفاظها في العبادات.
ج-الأحاديث التي تعد من جوامع الكلم.
د-كتب النبي صلى الله عليه وسلم.
هـ-الأحاديث المروية لبيان أنه صلى الله عليه وسلم يخاطب كل قوم بلغتهم.
و-الأحاديث التي عرف من حال روايتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل القاسم ابن محمد ورجاء بن حيوه وابن سيرين.
¥