تلك هي وجهة نظرنا حول تلك الحروف التي ذكرنا سابقا، والتي نؤكد من خلالها على وجوب جعل هذه الحروف المصدرية كلا في بابه من أبواب النحو، ولا مبرر لتأويلها لتكون من باب الموصول، ونحن كما ذكرنا في مقدمة دراستنا للنحو في هذا المؤلف أن منهجنا الذي نسير عليه هو أن نذكر الواضح الصريح، ونترك المبهم الذي يحتاج إلى تأويل، لأن الغرض من الدراسة هو معرفة القواعد التي يعتمد عليها في تقويم اللسان، والوصول بالدارس، أو الباحث إلى ما لا يختلف في شأنه، وإن اختلف فيه يعمل بالوجه الأصح، والرأي الأصوب.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نعرج على ما ذكره النحاة أنفسهم حول ترجيح كفة الرأي القائل بمصدرية تلك الحروف، وعدم إقحامها في باب الموصول، ولو على سبيل تسميتها بالموصول الحرفي، وذلك للفوارق الآتية بين الموصل الاسمي وبين تلك الحروف، وما ينسبك معها لتكون مصدرا يحتاج إلى صلة، كصلة الموصول الاسمي، وإليك أخي الدارس تلك الاختلافات: ـ
1 ـ إن الموصولات الاسمية ما عدا " أي " مبنية ولها محل من الإعراب كغيرها من الأسماء المبنية الأخرى، وقد بينا ذلك في موضعه بالتفصيل، في حين أن الحروف المصدرية تكون مبنية، ولا محل لها من الإعراب، شأنها في ذلك شأن بقية الحروف.
2 ـ إن صلة الموصول الاسمي تشتمل على ضمير يعرف بـ " العائد "، ووظيفته الربط بين اسم الموصول وصلته، بينما الحروف المصدرية، أو ما يسميها البعض بالموصول الحرفي فلا تحتاج صلتها إلى عائد، بل هي لا تشتمل عليه أصلا.
3 ـ إن الموصول الحرفي لا بد أن ينسبك مع الجملة الواقعة بعده، لينشأ عنهما مصدرا مؤولا، ومن هنا عرفت تلك الحروف بحروف السبك، وبذلك تكون أحق بهذه التسمية، لأنه لو لم تنسبك مع ما بعدها من الجمل لما كان لها قيمة تدخلها في باب الموصولات عندما أطلق عليها هذه التسمية.
4 ـ إن بعض الموصولات الحرفية مثل " لو "، و " ما " لا توصل بالأفعال الجامدة ما عدا أفعال الاستثناء " خلا، وعدا، وحاشا ".
5 ـ يجوز للموصول الاسمي غير " أل " أن يحذف من الجملة ـ كما بينا ذلك في موضعه ـ لكونه متصلا بالصفة المشبه التي تشكل مع بقية الجملة صلة الموصول اتصالا مباشرا وكأنهما كلمة واحدة، بينما الموصول الحرفي لا يمكن حذفه بأي حال من الأحوال ما عدا حرف واحد وهو " أنْ " المصدرية الناصبة للفعل المضارع، حيث تحذف جوازا، ووجوبا كما سنبين ذلك في باب نواصب الفعل.
6 ـ يصح في الموصول الحرفي " أنْ " دون سائر الموصولات الاسمية، والحرفية على حد سواء أن تقع صلته جملة طلبية.
وبناء على ما ذكرنا من قرائن دللنا بها على جعل ما يسمى بالموصول الحرفي حروفا مصدرية، إلا إننا لا نختلف مع النحاة على أن تلك الحروف لا بد أن يأتي بعدها جملة تكون صلة لها، ولا محل لها من الإعراب كجملة الصلة تماما في الموصول الاسمي، مع فارق عدم وجود الرابط في تلك الجملة، ذلك الرابط الذي يعد أساسا في جملة الموصول الاسمي.
نماذج من الإعراب
204 ـ قال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) 1 الكهف.
الحمد: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة لله.
أنزل: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو.
وجملة أنزل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
على عبده: جار ومجرور متعلقان بأنزل، وعبد مضاف، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه.
الكتاب: مفعول به لأنزل منصوب بالفتحة.
205 ـ قال تعالى: (الذين هم على صلاتهم دائمون) 23 المعارج.
الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نعت للمصلين قبلها.
هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
على صلاتهم: جار ومجرور متعلقان بدائمون، وصلاة مضاف، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة.
دائمون: خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.
وجملة هم دائمون لا محل لها صلة الموصول.
206 ـ قال تعالى: (اللاتي دخلتم بهن) 23 النساء.
اللاتي: اسم موصول مبني على السكون في محل صفة لأمهات قبلها.
دخلتم: فعل وفاعل. والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
بهن: جار ومجرور متعلقان بدخلتم.
¥