تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقد جعل بعض النحاة المتقدمين " الكاف " اسما بمعنى " مثل " ففي المثال الأول قالوا: محمد مثل الأسد. وأعربوا " الكاف " خبرا للمبتدأ محمد، والأسد مضاف إليه.

واستدلوا على اسميتها بدخول حرف الجر " عن " عليها كما في المثال الثاني:

" يضحكن عن كالبرد ". لأنه من المتعارف عليه أن حروف الجر لا تدخل على بعضها البعض، وإنما يكون اختصاص دخولها بالأسماء. فالكاف اسم بمعنى مثل، لذلك دخل عليها حرف الجر عن، والتقدير يضحكن عن مثل البرد. وأربوا " مثل " في هذه الحالة اسما مجرورا بدخول " عن "عليها، وهي مضاف، والبرد مجرور بالإضافة.

ويمكننا القول أن ما ذكر لا يكون إلا من باب التخيل والتصور، فهو بعيد عن الواقع العملي الملموس الذي وضع النحو من أجله، ولكن قبل أن نحلل ما ذكره النحاة في هذا الموضوع، لا بد أن نذكر اختلاف النحاة أنفسهم قديما حول هذه المسألة.

فقد ذكر ابن هشام في شرح الألفية أن ورود " الكاف " اسما يختص بالشعر فقط، وخص ذلك القول بسيبويه، وغيره من المحققين، وإن كان الكلام لسيبويه أو غيره فيكفي أن نقول: إن اختصاص اسمية الكاف بالشعر فقط دليل على عدم الجزم بأنها اسم، لأنه لو كان الأمر كذلك لورد ذكر بعض الآيات القرآنية التي تشتمل على وجود الكاف كاسم لا حرف، والقرآن شمل كل ما يتعلق باللغة من شواهد ما عدا " مذ ومنذ " لم يرد ذكرهما فيه لا كحرفين ولا اسمين.

أما ما ذكره الزمخشري حول الآية القرآنية التي تقول:

70 ـ قال الله تعالى: {إني خالق من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه}

فقل ابن هشام والقول للزمخشري: إن دخول حرف الجر " في " على الضمير في قوله " فيه " من الآية السابقة دليل على أن " الكاف " اسم بمعنى " مثل " بدليل عودة الضمير " ها " الغيبة على الكاف في كلمة " كهيئة ".

وقد رد ابن هشام نفسه على الزمخشري بقوله: لو كانت الكاف اسما لكان من الحقائق أن نسمع، أو سمع قولهم " مررت بكالأسد "، بدخول حرف الجر الباء على الكاف باعتبارها اسما، ولكن هذا غير وارد في لغة العرب، ولم يرد له نظير في القرآن الكريم.

وخلاصة القول: إذا ما طبقنا قواعد اللغة العربية تطبيقا عمليا، من خلال التراكيب اللغوية السليمة، مستدلين بما ورد في القرآن الكريم من آيات، تطبق التطبيق الصحيح، وبلا تكلف على تلك القواعد، فإن هذه القواعد النحوية سوف لا يدخلها التأويل، وكثرة الوجوه الإعرابية التي نحن في غنى عنها ما دام الغرض من دراسة النحو تقويم اللسان وحفظه من اللحن.

وبما أن كلام العربية لا يخرج عن كونه اسما، أو فعلا، أو حرفا، فلماذا يكون الاسم تارة اسما، وتارة حرفا وذلك حسبما نريد؟ ولماذا يكون الحرف تارة حرفا، ويكون تارة أخرى اسما متى تطلب الأمر ذلك؟

فالكاف وما جعله بعض النحاة معها من بقية الحروف كـ " عن، وعلى، ومذ ومنذ " هي في حقيقة الأمر أحرف جر ليس غير، ولا داعي لأن تكون أسماء ما دام في اللغة من الأسماء ما يفي حاجة المتكلمين.

ومن الأمثلة التي أوردها النحاة على اعتبار: عن، وعلى، ومذ ومنذ أسماء الآتي:

8 ـ مثال " عن " قول الشاعر:

" من عن يميني مرة وأمامي "

9 ـ ومثال " على " قول الآخر:

" غدت من عليه بعد تم ضمؤها "

ومثال " مذ ومنذ " قولهم: ما رأيته مذ يومان، أو منذ يوم الجمعة.

على اعتبار أن مذ ومنذ مبتدآن، وما بعدهما خبر. أو على اعتبار أنهما ظرفان وما بعدهما فاعل لكان التامة. والتقدير: مذ كان يومان، أو منذ كان يوم الجمعة.

ومثال اعتبار مذ ومنذ ظرفين دخولهما على الجملة الفعلية.

كقول الشاعر:

" ما زال مذ عقد ت يداه إزاره "

أو دخولها على الجملة الاسمية وهو قليل،

11 ـ قول الشاعر:

" وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع "

ويلاحظ مما سبق:

1 ـ أن الأمثلة الواردة في هذا المقام اختصت بالشعر فقط، لأنه لم يكن هناك ما يستدل به من القرآن الكريم الذي يعتبر الدليل القاطع على صحة الشيء، ولا سيما تلك القواعد التي يفصل لها النحاة الشواهد الشعرية على قلتها إما لضرورات شعرية، أو لحذلقة شعرية، أو ليطبق بها على تلك القواعد دون النظر إلى العقل والمنطق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير