ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[17 - 08 - 2006, 09:44 م]ـ
2 -
ومع ذلك فقد تعرضت أحاديث نزوله - كما تعرض غيرها - للهجوم والنقد من قبل البعض، لأنها لم ترق لهم، محتجين بحجج واهية، وشبه ساقطة، حيث ادعوا أنه ليس في القرآن نص صريح في رفعه إلى السماء بروحه وجسده، وليس فيه نص صريح أيضاً على نزوله وإنما تلك عقيدة النصارى، كما أن الأحاديث الواردة في نزوله لم تبلغ درجة التواتر، حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله، وإنما هي أحاديث آحاد مضطربة في متونها، منكرة في معانيها، في معظمها يشتد ضعف الرواة، وعليه فلا يجب على المسلم أن يعتقد ذلك.
وادعوا كذلك أنها ليست أحاديث محكمة الدلالة ولذا تأولها العلماء، كما فعل محمد عبده حين تأول نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه ورسالته على الناس، وهو ما غلب في تعاليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها، والتمسك بلبابها دون قشورها، فالمسيح عليه السلام لم يأت لليهود بشريعة جديدة، ولكنه جاءهم بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى عليه السلام، ويوقفهم على فقهها والمراد منها، ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح، بتحري كمال الآداب، ثم قال: ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه، وكان ذلك مزهقاً لروحها، ذاهباً بحكمتها، كان لا بد لهم من إصلاح عيسوي، يبين لهم أسرار الشريعة، وروح الدين وأدبه الحقيقي، وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد الذي هو آفة الحق، وعدو الدين في كل زمان، فزمان عيسى على هذا التأويل، هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين، والشريعة الإسلامية لإصلاح السرائر من غير تقييد بالرسوم والظواهر.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[17 - 08 - 2006, 09:47 م]ـ
3 -
والجواب عما سبق أن يقال: إن الآيات في كتاب الله قد دلت على رفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء، وبين العلماء أنه رفع بروحه وجسده، ومن هذه الآيات قول الله جل وعلا: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك} (آل عمران 55).
فقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال في المراد بالتوفي في هذه الآية:
الأول: قول الجمهور ورجحه ابن كثير وهو أن المراد به توفي النوم، فكلمة الوفاة كما تطلق على الموت تطلق على النوم أيضاً.
الثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير (إني رافعك ومتوفيك) أي بعد النزول وهذا القول منسوب إلى قتادة.
الثالث: أن المراد بالتوفي هو نفس الرفع، والمعنى: (إني قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك) وهذا رأي ابن جرير.
وجميع هذا الأقوال كما ترى متفقة على أنه رفع حياً، وإن كان بعضها أصح وأولى بالقبول من بعض، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى (4/ 322 - 323): " وأما قوله تعالى: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} (آل عمران 55)، فهذا دليل على أنه لم يَعْنِ بذلك الموت، إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: {ومطهرك من الذين كفروا} (آل عمران 55)، ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء.
وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه} (النساء 157 - 158).
فقوله هنا: {بل رفعه الله إليه} يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه، إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه، بل مات، فقوله: {بل رفعه الله إليه}، يُبَيِّن أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه.
ولهذا قال من قال من العلماء: {إني متوفيك}، أي: قابضك، أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته، ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة.
¥