[" عنف الطلاب " قراءة في الظاهرة *]
ـ[عبدالوهاب]ــــــــ[31 - 08 - 2006, 08:30 ص]ـ
[" عنف الطلاب " قراءة في الظاهرة *]
? يقول الخبر: " 25ألف معلم هولندي يؤمنون على حياتهم، في شركات التأمين خوفا ً من التلاميذ " الخبر يستفز كل من يمت إلى التربية بصلة، ويعمل في الحقل التربوي، حدَ الدهشة وإعادة قراءة الخبر مرات عديدة حتى يعي رسالته. أما الذين لا تربطهم وشائج قربى بالتربية، ولا يحملون هماً تربوياً، فإن الخبر سيمر بهم مرور الكرام، وسيعلل ـ حينها ـ بأنه ضرب ٌ من المبالغات الصحفية .....
ولأني أحد المهتمين بالتربية والتعليم، والعاملين في ميدانها، أودُّ تسجيل ملاحظاتي حيال هذه الظاهرة " عنف الطلاب "، التي يبدو أنها غزت وسطنا التربوي ـ نحن ـ أيضاً، وباتتْ تنذر بفشل العملية التربوية والتعليمية الوطنية، والعالمية على حدٍ سواء. وشيءٌ مؤكدٌ: أن ثمة دوافع ومسببات، كان وضع التربية والتعليم ـ الراهن ـ حصيلة لازمة لها. ولنا أن نناقش هذه الظاهرة التربوية "المقلقة "، ومدى تمددها في مجتمعنا السعودي، الذي تعدُّ الظاهرة دخيلة عليه. فقبل عشر سنوات، على الأكثر، لم نسمع ْ أو نقرأ عن طالب تجرأ ومدّ يده على معلمه، ناهيك عن رفع الصوت عليه.
?هل تدرون لماذا لم يحصل شيء ٌ من هذا القبيل؟؟
السببُ واضحٌ جداً: هو أن المعلم وضع في مكانه المناسب، وقدر التقدير اللائق به، وبمهنته ورسالته المقدسة، وكان صدوقاً مصدقاً، وكان النظام يمدّ له يد العون لأداء رسالته، على أكمل وجه، ويرفده؛ ليثبت أن قداسة المهنة ليست تراثاً شعرياً نتغنى به في مناهجنا الدراسية: " كاد المعلم أن يكون رسولا "، ولكن قداسة المهنة والمعلم واقعاً يحكيه الواقع، ويترجمه النظام ميدانياً.
أما في الوقت الحاضر، ومع الأخذ بنظريات التربية الحديثة، أصبح المعلم متهماً حتى تثبت ْ براءته، أما الطالب فهو البريء حتى لوثبت جرمه؛ تماشياً مع ذلك القانون التجاري (الجائر) " الزبون دائماً على حق "، الذي أصبح معه المعلم مهرجاً، دخل حجرة الصف خطأً، ولا مانع من تمضية وقت جميل ٍ معه. ولا أدل على ذلك، من النظام الذي استحدثته وزارة التربية والتعليم، الذي صدر مؤخراً تحت مسمى " وثيقة وقواعد تنظيم السلوك والمواظبة لطلاب مراحل التعليم العام "، التي أتت محبطة ً، نعم، محبطة ً لكل من يعمل في الميدان التربوي، حيث استثنت هذه الوثيقة الوزارية إحالة الطالب إلى الجهات الأمنية، في حال اعتدائه على معلمه!!!!
هل يعقل من وزارة تحمل مشعل التربية والتعليم أن تمارس هي الأخرى إرهاباً ضد المعلم، وتصيّر النظام والقرارات الوزارية بعبعاً يؤرق منامه وصحوه؟؟
ثم ماذا؟؟ طلاب ٌ متسيبون، لا يحملون روح المتعلم، ولا يتقمصون التربية. باختصار شديد ضاعتْ التربية وضاع العلم؛ وبالتالي جيل يعاني التشرد والضياع، ولا يحمل روح المسؤولية.
وكيف ينتج المعلم ويبدع، والحالة هذه؟؟
إن المعلم والطبيب كلاهما * لا ينتجان إذا هما لم يكرما
ليست هذه الكرامات فحسب، التي منحتها وزارة التربية والتعليم للمعلم، بل القائمة تطول: الوزارة تفرض وصاية على المعلم، أصبح المعلمون قصًراً، ولما يبلغوا الرشد، تمارس هذه الوصاية في طريقة وضع المعلم لأسئلة امتحانتة، من خلال ما يسمى بالأسئلة " التحصيلية، فالخطابات التي ترد من مقام الوزارة إلى المدارس توصى بوضع 50% من أسئلة الامتحانات " خيارات من متعدد "، هذه "التحصيلية " متوفرة على اسطوانة مدمجة " cd-rom" بسعر بخس، أو مطبوعة في المكتبات يستطيع الطالب توفيرها بأي وسيط، سواءً الإنترنت أو المكتبات ....... رحم الله ذلك الزمن الجميل الذي كان المعلم فيه، هو الذي يضع امتحاناته دون وصاية أو رقابة من أحد. إن الأسئلة التحصلية ليست خيراً مطلقا ولكنها قد تكون شرا مطلقا إذا أسيء استخدامها، وتزعزعت مصداقيتها، في قياس المردود التعليمي للطالب، وأثبتت ميدانياً فشلها؛ حيث زيادة نسبة الغش فيها كبيرة؛ عن طريق اعتماد الطلاب شفرة معينه خلال أدائهم الامتحان، فالعملية ليست بتلك الصعوبة، فإشارة إصبع لفقرة الإجابة الصحيحة كفيلة بنقلها إلى كل طلاب الصف.
مجمل السابق، أنّ دور المعلم أصبح دورأً ببغائياً، ليس عليه إلا أن يدخل حصته، ويهذر بما تضمنته دفتي مادته العلمية، ويخرج غير مأسوف عليه.
هذه التحولات في وسطنا التربوي، هي التي جعلت من المعلم كومبارساً في العملية التعليمية، أو " أطرش في الزفة" كما يقول ـ الأخوة المصريون ـ؛ لذلك لم يوقره تلامذته؛ لأن وزارته لم تلبسه ثوب الوقار والإجلال الذي يستحق.
أخيراً، أنا لا أدعوـ ضمناً ـ لجعل الحق والصواب كله في سلة المعلم، ولكني أيضاً لا أدعو لنزعه منه واضطهاده. كما أني لا أدعو لاضطهاد الطلاب، وضربهم ضرباً مبرحاً، ولكني أدعو في ذات الحين إلى إعادة العصا للمعلم، الذي يحرص على تقويم الناشئة. وهذا الضرب الذي كثر حوله اللت والعجن، ومنع من المدارس منعاً باتاً، هو أمر ٌ نبوي وتشريع ديني لتقويم الناشئة، والأحاديث والآثار فيه كثيرة.
وإنا ننتظر مستقبلاً تربوياً مشرقاً، نتنفس فيه الصعداء جميعاً. وفي نهاية المطاف نحن ـ المعلمين ـ ووزارة التربية والتعليم، في خندق واحد، وتحت رآية فيلقٍ واحد؛ فلنمد جسور التعاون فيما بيننا لما فيه صالح التربية والتعليم.
* عبدالوهاب بن حسن شوكان نجمي
[email protected]
¥