تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ساكنة (ص168ـ 170). والمتأمل فى هذه الاقتراحات والاتهامات يلحظ من فوره أنها تكاد تقلب الفصحى عامية بما يباعد بيننا وبين اللغة التى ظل آباؤنا وأجدادنا يستعملونها فى الكتابة والقراءة والتفكير العلمى والإبداع الأدبى لما ينوف على خمسة عشر قرنا، ومن ثم يقيم بيننا وبين التراث العظيم الذى خلفوه جدارا عاليا سوف يزداد مع الأيام والسنين ارتفاعا وسُمْكا وصلادة، فضلا عن أنه سوف يجعلنا نشعر مع القرآن الكريم بغربة مزعجة لا نجدها الآن، وهو ما يتناقض مع ما أكده فى أكثر من موضع فى الكتاب من أنه لا يهدف أبدا إلى القضاء على الفصحى وإحلال العامية مكانها!

ولست أريد أن أدخل فى مناقشة نيته من وراء ما كتبه فى هذه القضية، فقد يكون حسن القصد فيما يدعو إليه ومؤمنا بأن ما يقوله من شأنه أن يخدم لغته القومية فعلا، وقد يكون أقدم على هذا الذى كتبه هنا وهو يدرك أنه سوف ينجلى عن نتائج غاية فى الوخامة، فعلم ذلك كله عند الله. ثم إنى أعترف بأن انتسابه إلى الأستاذ محمد مفيد الشوباشى، القصاص والشاعر والناقد والمترجم المعروف صاحب الأسلوب المحكم الجميل، والمدافع بمنتهى الشراسة والحق عن أصالة الحضارة الإسلامية والعقلية العربية وجمال لغة الضاد أسلوبا وإبداعا أدبيا رغم أنه كان يساريا، والذى قرأت له عددا من المؤلفات والمترجمات واستمتعت بها غاية الاستمتاع منها "القصة العربية القديمة" و"رحلة الأدب العربى إلى أوربا" و"الأدب الثورى عبر التاريخ" و"آسيا وجداول الربيع" لترجنيف و"نافخ البوق" لتوماس هاردى، أقول إن انتسابه لمحمد مفيد الشوباشى يَغُلّ يدى عن أن أتناول ما كتبه فى موضوعنا بنفس الشدة التى أرد بها على من يهاجمون العربية أو الإسلام. ولقد بلغ من اعتزاز الشوباشى الكبير بلغتنا العبقرية أنه كان ينحى باللائمة على كاتبنا فى شبابه حين يراه يجرى على منوال اللغات الأوربية فى كثير من الأحيان بإيثاره الجملة الاسمية على الفعلية حسبما حدثنا الكاتب نفسه (ص168)، وإن لم ألاحظ فى الكتاب الذى بين يدىّ الآن والذى أرسله لى كاتبنا مشكورا ولا فى كتابه الآخر "الداء العربى" الذى أرسله معه أن للجملة الاسمية الغلبة على غريمتها الفعلية. كما أن الأديب الراحل كان يرفض أشد الرفض استعمال العامية فى الكتابة حتى ولا فى الحوار القصصى. والطريف أنه كان يستند، ضمن ما يستند إليه فى ذلك الرفض، على التحليلات الماركسية فى الفكر والأدب. ويستطيع القارئ أن يجد شيئا مما كتبه فى هذا المجال فى مقال له بمجلة "العالم العربى" القاهرية فى عدد مارس 1958م. وهناك سبب آخر يمنعنى أن أكون شديدا فى نقد ما كتبه أ. شريف الشوباشى، فقد بدا لى، أثناء مناقشتى أنا ود. عبد الله التطاوى له ولآرائه الواردة فى كتابه المذكور فى الحلقة التى سجلتها معنا قناة "التنوير" المصرية من برنامج "لِلْوُدّ قضيّة" منذ أيام، أنه رجل دمث الخلق متواضع، وليست فيه لجاجة بعض الكتاب ممن يعملون على التنقص من تراثنا فى الدين أو الفكر أو الأدب. بل إنه فى الكتاب الذى نحن بصدد الحديث عنه هنا لم يحدث أن تعرض بكلمة سوء لأى من رموزنا التاريخية، وكذلك لم يقع أن ذكر الرسول إلا بمنتهى التبجيل والاحترام، كما كان دائم الصلاة عليه إلا فيما ندر. وكان أدبا جميلا منه أن نجده يقول عن هذا الصحابى أو ذاك: "سيدنا فلان". وفوق هذا كله فقد رأيناه يبتدئ كلامه فى تلك الحلقة بالقول بأن ما كتبه فى كتابه ذاك إنما هو مجرد رأى قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ. على أن هذا كله لم يمنعنى فى الحلقة التلفازية المذكورة ولن يمنعنى الآن من أن أختلف معه غاية الاختلاف إذا رأيت أن كلامه غير منطقى أو أن من شأن الأخذ به أن يقودنا إلى ما لا تحمد عقباه من نتائج.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير