تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وينطلق كاتبنا فى دعوته إلى تطوير اللغة وقواعدها من منطلقين: الأول أن كثيرا من الكتاب والخطباء العرب يخطئون فى لغتهم، وأن التلاميذ والطلاب يشكون مُرَّ الشكوى من حصة اللغة العربية ولا يرون فيها شيئا أكثر من كونها عبئا ثقيلا لا بد أن يتحملوه كى ينجحوا فى امتحانات آخر العام، والسلام، غير واجدين أية لذة فى دراستها. ثم إنها ليست وسيلة طبيعية فى التعبير عن أفكار من يستعملها ومشاعره، بل عليه أن يتكلفها تكلفا. والثانى أنها لم تعد تساير العصر أو تفى بمتطلبات التعبير عنه بعد أن طال بها الزمن دون أن يطرأ عليها ما تحتاجه من تطورعلى عكس اللغات العالمية الأخرى التى لا يكتفى أصحابها بما يعتريها من تطور طبيعى، بل يحدثون فيها ضربا آخر منه يقصدونه قصدا.

يقول أ. الشوباشى: "كثيرا ما فوجئت بكبار المثقفين يخطئون أخطاء لا تُصَدَّق فى لغتهم الأم التى يكتبون ويبدعون بها، وبعض هؤلاء أو معظمهم يُعَدّون من رموز الأدب والكتابة فى مصر والعالم العربى ... وعندما كنت أقارن حالنا بالآخرين كنت أجد نفسى مضطرا لأن أعترف بأنه لا يوجد مثقف واحد فى فرنسا أو إنجلترا أو إسبانيا أوحتى البرازيل يخطئ فى لغته الأم بهذه الصورة. فهل كل الشعوب العربية بمثقفيها ومفكريها أصبحت معوقة ذهنيا بحيث لا تستطيع تعلم اللغة والإلمام بها إلماما سليما؟ وإذا وسّعْنا باب المقارنة مع الآخرين نجد أن أى سكرتيرةٍ متواضعةٍ حاصلةٍ على شهادة متوسطة فى أى دولة غربية قادرةٌ على أن تكتب بنفسها خطابا دون أخطاء لغوية… فهل السكرتيرة الفرنسية تمتلك قدرات ذهنية أرقى من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا فى العالم العربى؟ بالطبع لا. إذا فالخلل يكمن فى الطرف الآخر من المعادلة، وهو اللغة المستخدمة عند كل من الطرفين ... فاللغة الفرنسية طيعة وسهلة ومباشرة، كما أن السكرتيرة، مَثَلُها مَثَلُ كل من يجيد الفرنسية، لديها أدوات تسهل مهمتها وتجعلها قادرة على تجنب الخطإ. وعلى رأس هذه الأدوات قاموس اللغة الفرنسية الذى يقوم على ترتيب الحروف الأبجدية، بالإضافة إلى ترسانة من القواميس الخاصة بالقواعد وبالمترادفات وغير ذلك من الكتب التى يتعلم أى تلميذ فرنسى كيفية استخدامها فى المدرسة" (ص67ــ 68).

والرد على هذا سهل غاية السهولة، فقد كان الكتّاب والعلماء والأدباء والشعراء العرب طوال الخمسة عشر قرنا الماضية يستخدمون لغتهم استخداما سليما ويسيطرون عليها ويبدعون بها على أحسن وضع، فلماذا يعجز كثير منهم الآن عن أن يصنعوا صنيع أسلافهم؟ إنه الكسل العقلى والاكتفاء بأقل القليل، وهو عيب شامل، وليس خاصا بالكتابة فحسب، بل كل صاحب حرفة أو عمل يعانى من نفاد الصبر، وليس عنده من طول البال ما يساعده على تجويد ما تصنع يداه. وهذا هو السبب فى أن عماراتنا كثيرا ما تنهار الآن قبل أن يمر عليها سوى أشهر أو سنوات معدودات. وهو نفسه السبب فى أننا نشكو من إهمال الصنائعية والعمال، وهو أيضا السبب فى أن كثيرا من شوارعنا ممتلئة بالحُفَر والمطبّات والقاذورات والأصوات العالية المزعجة والبذاءات المقذعة التى تشمئز منها النفوس الكريمة، وأن البلاعات فيها إما أعلى من مستوى الأرض أو أوطأ منها، وكثيرا ما تكون مكشوفة بحيث يقع فيها الأطفال لتبتلعهم بأفواهها الفاغرة وتغيّبهم فى بطونها إلى الأبد، وأن كل شىء فى حياتنا تقريبا قبيح ومشوه، وأننا لا نستطيع أن نعتمد على أنفسنا فى توفير ما نحتاج إليه من طعام أو ملابس مثلا، ناهيك عن تصنيع السيارات والحواسيب ومعدات القتال ... إلخ. ثم إنك يا أ. شوباشى تعرف أن كثيرا جدا ممن تسميهم مثقفين وكتّابا كبارا ليس لديهم اطلاع كاف على اللغة أو التراث رغم أنهم كثيرا ما يتعرضون لهما بالكتابة والتقويم. أليست هذه محنة؟ ولسوف أعطيك هنا مثالا سريعا على ما أقول: فقد كتب جمال الغيطانى فى روايته المسماة بـ"الزينى بركات"، والتى يطنطن لها البعض بغير حق، أن اليهود قد طاردوا النبى محمدا بالحجارة من فوق أسوار الطائف حين التجأ إليها فى عهد الدعوة المكية، وأن امرأة من يهود هى التى أكلت (لاحِظْ:" أكلت" لا "لاكَتْ") كبد حمزة رضى الله عنه (دار المستقبل العربى/ ط 3/ 1985م/ 225). وهذا، كما ترى، كلام مضحك بل تخريف عجيب إن وقع من أى تلميذ صغير كان جديرا أن يعاقَب على جهله بمثل هذه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير