تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوقائع الأساسية فى سيرة نبينا عليه السلام، فالتلاميذ والطلاب فى كل مراحل الدراسة ونوعياتها، بما فيها مدرسة الصنائع التى تخرج منها الكاتب، يعرفون أن الذين طاردوا النبى فى الطائف ورَمَوْه بالحجارة أوانذاك هم عبيدُها وصبيانُها وسفهاؤها من المشركين وليس اليهود، لأن اليهود لم يكونوا قد ظهروا فى حياة النبى عليه السلام بعد، كما أن التى لاكت كبد حمزة، رضى الله عنه (لاكَتْ لا أَكَلَتْ) هى هندٌ بنتُ عتبة زوجةُ أبى سفيان لا امرأةٌ من يهود، وكان ذلك عقب غزوة أُحُد. ومعروف أن ذلك إنما وقع بعد الهجرة بالقرب من المدينة، وليس فى الطائف فى العهد المكى! والغيطانى أحد الكتاب الذين قد ترى فيهم طائفة من نقاد آخر زمن أديبا ذا شأن، فضلا عن أنه كثير الحديث عن ولعه بالتاريخ الإسلامى، مما يجعلنى أتساءل: ترى ماذا كان يمكن أن يكون علمه بهذا التاريخ لو لم يكن وَلِعًا به إلى هذا المدى؟ كما أن فى لغته ضعفا وركاكة استفزا فاروق عبد القادر فأصلاه فى الكتاب الذى صدر له فى سلسلة "كتاب الهلال" منذ شهور نارا حامية. ولو كان محمد مفيد الشوباشى حيًّا لأسمعه هو وأمثاله من الكتّاب ما يؤلمهم جزاءً وِفاقًا على هذا الضعف المزرى فى لغتهم القومية! والمصيبة أن المؤلف لم يتنبه ولا نبهه أحد ممن حوله لهذا الجهل على مدى الطبعات الثلاث التى طُبِعَها الكتاب فيصححه!

وبالمناسبة لماذا كان الشوباشى والمنفلوطى والعقاد والرافعى وإبراهيم رمزى والمازنى وأمين الريحانى ومطران ونعيمة وجبران وكرم ملحم كرم ومَلَك حفنى ناصف ومىّ زيادة والزيات والصيرفى والسحرتى وعنان وهيكل ومحمد لطفى جمعة وفخرى أبو السعود وشكيب أرسلان وكرد على وشفيق جبرى ونزار قبانى وسعد الله ونوس وغادة السمان وعبد القدوس الأنصارى وأحمد السباعى وخليل سكاكينى وابنته وداد وإبراهيم طوقان وأخته فدوى وهارون هاشم رشيد ومحمد عزة دَرْوَزَة ونازك الملائكة والجواهرى والسياب وعبد الكريم غلاب ومحمود المسعدى وحسنى عبد الوهاب ومحمود شلتوت والسحار وباكثير وأمين يوسف غراب وزكى نجيب محمود وزكريا إبراهيم ومحمد الغزالى وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوى مثلا بهذه القوة والمتانة فى الأسلوب، ولم يتخرج أىٌّ منهم من أى من أقسام اللغة العربية بالجامعة، بل إن عددا منهم لم يتلقَّوْا تعليما جامعيا أصلا؟ حتى سلامة موسى، الذى كان كثير العيب على اللسان العربى ويرميه بالبداوة ويعلن كراهيته له لأنه اللسان الذى نزل به القرآن، يخلو أسلوبه من الأخطاء التى تبرقش كتابات أدبائنا الذين تسللوا إلى ميدان الأدب والفكر فى غفلة من الزمن! ثم لماذا هذا الضعف الشائن فى كثير من كتّاب هذا الجيل بالذات؟ أتكون اللغة العربية قد انقلبت بين عشية وضحاها من لغة يمكن إتقانها لمن يريد ويبذل فيها ما تحتاجه من جهد واهتمام إلى لغة عصيّةٍ شَموس؟ ولكن هل هذا مما تسمح به طبيعة الأشياء؟ إن المشكلة هى أننا أصبحنا فاقدى الصبر، على طريقة العوامّ الذين ما إن تبدأ فى شرح ما تريده لهم حتى يفاجئوك بقولهم دون أدنى حياء: هات من الآخر! وعبثا تحاول أن تعرف ما الذى يستعجلهم كل هذا الاستعجال فلا تجد إلا نفاد الصبر وقلة الأدب! فحياتهم، والحمد لله، فارغة من أى شىء مهم، وكل ما هنالك أنهم يفتقرون إلى ذلك الصبر الذى تحدث عنه الشيخ محمد عبده فى تفسيره لسورة "العصر" فأفاض وأمتع، وهو الصبر الإيجابى الذى بدونه لا تقوم حضارة ولا يتم تقدم: الصبر على مشقات العمل والإنتاج والإبداع والإتقان والتخطيط والاهتمام بالتفاصيل والالتزام بالنظام الدقيق والحرص على المراجعة والعمل على إصلاح الخطإ أوَّلاً بأوّل ... وما إلى هذا.

إن الناس الآن تبدو وكأن عفريتا قد ركبها، وكل ما يهمها هو أن تأخذ فلوسا، أما أن تقدِّم لك لقاء هذه الفلوس الخدمة التى تريد على الوجه الذى يرضى الله ورسوله فكلا وألف كلا! وبالمناسبة فكاتب هذه السطور، الذى هو أنا، رغم تخصصى فى الأدب العربى، دائما ما أراجع المعاجم وكتب النحو والصرف حتى فيما أنا متأكد منه، وذلك كى يجىء أسلوبى على أحسن ما أستطيع. ولست أعرف ذلك الاطمئنان الكاذب الذى يأخذ كثيرا من الكتّاب فلا يراجعون شيئا مما يكتبون البتة. ثم إنى أجد فى هذه المراجعات متعة عقلية وفنية لا تقدر بثمن، كما أنها توسع أفق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير