تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معارفى وتكسبنى الثقة بنفسى. وأنت نفسك يا أ. شوباشى قد قلتها: فالسكرتيرة الفرنسية تتدرع لمهنتها بعدد من معاجم اللغة والإملاء وما إلى هذا مما يعصم ما تكتبه من كثير من الأخطاء التى تقع فيها أمثالها عندنا ممن لا يهتممن بأن يكون فى حوزتهن قاموسٌ فردٌ يوحّد الله لأنهن لا يفكرن أصلا فى تثقيف عقولهن ولا التأنق فى كتاباتهن، ولا شغلةَ طول النهار لهن إلا الكلام عن تقميع البامية وتقلية الملوخية والفستان التى اشترته فلانة والطلاق الذى وقع على رأس علانة ... وهَلُمَّ جَرًّا. ولا أحسب الرجال يختلفون عن النساء كثيرا فى هذا السبيل! إنه الفرق بين مجتمع متحضر مثقف ومجتمع لا تهتم الغالبية الساحقة من أفراده إلا بالطعام والشراب والتسالى الخفيفة كمشاهدة المرناء وحل الكلمات المتقاطعة والتآمر على الجيران ومكايدتهم ونحوه، حتى إن كثيرا من دور النشر عندنا لم تعد تطبع من الكتب التى تصدرها أكثر من خمسمائة نسخة للكتاب تباع فى عدة أعوام! يا أ. شوباشى، أنت تنكأ الجراح، فبالله عليك لا تتهم اللغة العربية. إننا، فى هذه الأيام النحسات، شعوب تعيش خارج خريطة التاريخ، شعوب لا قيمة لها حضارية، شعوب تستهلك ولا تبدع! إن العرب والمسلمين، يوم أن كانوا يتمتعون حقا بالثقة بأنفسهم والإيمان بربهم والقدرة على التضحية والتحمس للعمل والإنتاج والسعى فى أعقاب العلم واللهاث خلف الثقافة الرفيعة، قد فتحوا البلاد وبسطوا سلطانهم ولغتهم ودينهم على الدنيا فى بضعة عقود قليلة من السنين رغم أنهم لم يكونوا يملكون من الإمكانات شيئا يذكر. وكانوا فى ذلك الوقت أيضا يقبضون على زمام لغتهم أحسن ما يكون القبض على الزمام، أما الآن فانظر تَرَ ماذا أصبح حالهم. إنهم يصعبون على الكافر، وإسرائيل، التى تتكون من عصابات متنافرة من أرجاء الأرض المتباعدة، تسومهم الخسف والهوان دون أن يستطيعوا أن يقولوا لها: "بِمْ"، رغم أنها من الناحية العددية لا تبلغ خمس معشارهم! ويوم أن يعود لهم سابق عزهم ومجدهم فعندها لن نسمع من يقول إن العربية صعبة أو إنها تحتاج إلى حذف هذا الجزء أو ذاك من قواعدها وتقريبها إلى العامية. إنها منظومة واحدة، والحال هنا هى نفسها هناك. ولهذا ترانا ضعفاء حتى فى ميدان الرياضة واللعب مع توفر الإمكانات اللازمة للتفوق فى هذا المجال. لكنه، مرةً أخرى، الكسل واللامبالاة وغياب الروح وضعف الشعور بالكرامة القومية والظن بأن الفًَهْلَوَة والبَكَش يمكن أن يوصلانا إلى ما نريد، مع أنه قد ثبت لنا مرات ومرات ومرات أن هذا الأسلوب لا يؤدى إلى غير الكوارث، لكننا لا نتعظ أبدا! ترى أأمضى فى هذا الموّال أم الأفضل أن أكفأ على الخبر ماجورا وأسكت؟ أما أنا فأوثر أن أسكت! وعلى الناحية الأخرى أستطيع أن أعدد لك أمثلة على سهولة إتقان اللغة الفصحى لمن يريد بحقٍّ أن يتقنها: فقد كان معنا فى المدينة الجامعية فى النصف الثانى من ستينات القرن الماضى طلاب من الصين والاتحاد السوفييتى وبعض البلدان الأفريقية والآسيوية يحسنون الحديث والكتابة بها مع أنهم إنما تعلموها فى بلادهم لا فى بلد عربى. كما أذكر فتاتين صغيرتين لأب مصرى وأم بريطانية التقينا بهما فى أوكسفورد فى أواخر العقد الثامن من القرن الفائت، وكانتا تحسنان العربية الفصحى إلى حد كبير حديثًا وكتابةً رغم أنهما لم تكونا قد تخطّتا الثانية عشرة من عمرهما. وعندما كنت فى جامبيا فى غرب أفريقيا فى منتصف الثمانينات من القرن المنصرم تعرفتُ إلى شاب أفريقى من سيراليون رأيت لديه اهتماما بأن يكمل دراسته فى اللغة العربية، وكان يبيع فى السوق بعض الأشياء الصغيرة التى تهم المرأة بغية أن يوفر شيئا من المال يستعين به على هدفه. والشاهد فى الحكاية أننى أردت أن أستوثق من مدى معرفته بلغة العرب التى درسها كلغة أجنبية ولم يَعْدُ فى تعليمه المدرسىّ الثانية الثانوبة، فعقدت له امتحانا فى النصوص والقواعد فوجدته قد أحرز درجة عالية رغم انقطاعه عن الدراسة منذ وقت ليس بالقصير. وكان يكلمنى باللغة الفصحى بسهولة كبيرة. وقد دفعنى هذا إلى تشجيعه، بل إننى حين عدت وقتها إلى مصر أرسلت إليه طَرْدَيْن (أو بلغة البريد فى بعض دول الخليج: بَعِيثَتَيْن) من الكتب. كذلك كانت مَىّ زيادة لا تستطيع فى البداية أن تكتب بالفصحى، بل تستخدم الفرنسية، ثم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير