تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على محوه عن طريق تدمير اللغة التى نزل بها، وهى اللغة الفصحى. وكان سلامة موسى، ومن قبله بعض شياطين الاستشراق والتبشير، يَدْعُون بدعوتهم الإبليسية مستخدمين هذه الفصحى التى يزعمون بشأنها المزاعم والأباطيل! والذى قرأ سلامة موسى يعرف أنه كثير الكتابة فى موضوعات العلوم الطبيعية والنفسية والفلسفية الحديثة، فبأية لغة يا ترى كتب ما كتب فى هذه الموضوعات؟ لقد كتبها بالفصحى! ومع هذا كان يردد دائما فى إملال مزعج كاذب أن هذه اللغة هى لغة قديمة لا تصلح أن تكون وعاء للعلوم العصرية. فأَنَّى لنا أن نصدّق هذا السخف الفِجّ؟ ويستطيع القارئ أن يجد كلامه ذاك التافه فى كتابه "البلاغة العصرية واللغة العربية" (المطبعة العصرية/ 1953م/ 49ـــ 51). إن مزاعم هذا الرجل ليس لها من معنى إلا أن اللغة الفصحى قد وردت إلينا الآن لتوّها من الماضى البعيد، وعلينا أن نستعين بها فى التعبير عن علوم العصر وأفكاره وهى لا تزال بعَبَلها، أو كما كان قدماؤنا يقولون: لا تزال بعُجَرها وبُجَرها! وكأنها ليست ذات تاريخ طويل مرّت فيه بتطورات هائلة جعلتها فى كل مرحلة من مراحله قادرة تمام المقدرة على التعبير عن كل ما يريد منها أصحابها لم تخذلهم يوما! ومما قاله ذلك الرجل أيضا فى معرض الزراية على الفصحى والتنفير والتحقير منها بصريح القول ودون أية تورية أو تجميل أن اللغة عند زكى مبارك وابن عربشاه والحكومة المصرية "ليست لغة الديمقراطية والأتومبيل والتلفزيون بل هى لغة القرآن وتقاليد العرب" (المرجع السابق/ 54). وكان كلامه هذا تعليقا على قول زكى مبارك (والعهدة عليه) إن المرأة لا تستحق إلا الضرب بالحذاء، وعلى استنكار المؤرخ المسلم ابن عربشاه لخلوّ مراسلات جنكيز خان من عبارات التبجيل والتفخيم التى كان يجرى عليها الإنشاء الديوانى فى عصور التخلف الأدبى، وعلى ما يقوله هو من أن الحكومة المصرية عندما أنشأت كلية دار العلوم لم تسمح للنصارى بالالتحاق بها. فانظر كيف جاءت إشارته إلى القرآن فى هذا السياق المسىء الذى يراد منه اتهام كتاب الله العظيم بأنه يناقض الديمقراطية والعلوم العصرية والتسامح الدينى واحترام المرأة! وانظر كذلك إلى هذه اللدغة السامة فى دعواه الكاذبة بأن العربية التى وصلتنا عن آبائنا وجدودنا غير صالحة للتعامل مع المعارف العلمية الحديثة، إذ يقول: "لم يكن المجتمع العربى القديم يعيش على المعارف والمنطق إلا فى أقله، وكان يعيش على العقائد والغيبيات فى أكثره، ولذلك يشقّ علينا فى مجتمعنا أن نؤدى المعانى للمعارف المادية لأن لغتنا حافلة بكلمات الغيبيات والعقائد دون كلمات العلوم الجديدة" (السابق/ 51). ووجه التدليس والكذب فى هذا الكلام أنه يضع العقائد والغيبيات (الإسلامية طبعا، وليس غيرها) فى مواجهة المعارف والمنطق. فهذه واحدة، ولست محتاجا إلى أن أنصّ للقارئ على هدفه الخبيث من وراء ذلك. والثانية أنه يتجاهل بكلامه هذا الميراثَ اللغوىَّ العظيمَ الذى ورثناه عن عصور الازدهار العلمى من تاريخنا الحضارى فى مجالات الطب والحساب والكيمياء والطبيعة والفلك والهندسة والفلسفة والجغرافيا والمنطق ... إلخ. وقد نقل كاتبنا (ص 40) قول سلامة موسى عن العربية إننا "قد ورثناها من بدو الجاهلية فى عصر الناقة، ويراد لنا أن نتعامل بها فى عصر الطائرة"، وأبدى موافقته على هذا الحكم، وإن كان قد احترز بأنه، على عكس سلامة موسى، لا يريد استبدال العامية بالفصحى (ص 40ــ 41). ولا أدرى أىّ خَبَلٍ قد أصاب عقل موسى، الذى كان كثير الطنطنة بالعلم ولا يكف عن التنفج بأنه كاتبٌ عصرىٌّ بل مستقبلىّ، فكل اللغات ترجع إلى أصول قديمة لا علاقة لها بالعلوم الحديثة، لكنها مع ذلك تتطور لتواجه المواقف الجديدة التى لم يكن لها بها عهد من قبل. أم ترى اللغات الأوربية التى يمجدها فى الفاضية والملآنة قد نزلت من السماء دفعة واحدة كاملة لا ينقصها شىء إلى يوم يُبْعَثون؟ أرجو أن يرى القارئ الفاضل التواء المنطق والذهن عند من يحاربون لغتنا، وغير لغتنا أيضا!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير