تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولبنت الشاطئ، رحمها الله، كتاب شديد الأهمية عن تطور اللغة العربية عنوانه "لغتنا والحياة" تتبعت فيه المراحل التى مرت بها هذه اللغة العبقرية منذ العصر الجاهلى إلى العصر الحديث، وكيف انفتحت لها القلوب والعقول مع انتشار الإسلام، وكيف كانت تواجه الظروف والأوضاع والمشاكل التى تقابلها وتنتصر عليها، وكيف أَثْرَتْ واتسعت ألفاظًا وتراكيبَ وصُوَرًا حتى صارت على ما هى عليه اليوم ولم تبق على نفس الوضع التى كانت عليه فى الجاهلية أو فى صدر الإسلام، بل وَسِعَتْ كلَّ أنواع الفنون والعلوم. وينبغى على القارئ أن يرجع إلى هذا الكتاب كى يكون على ذكر مما حدث للغة الضاد من تطورات هائلة ومتنوعة ويتضح له تدليس من يريدون أن يبيعوا له الترام فى عز النهار متصورين فى أنفسهم الذكاء واللَّوْذَعِيّة، وفيه هو البلاهةَ والغباء. ترى هل يمكن لأى بكّاش أن يدعى أن اللغة التى نكتب بها اليوم هى نفسها اللغة التى كان يستعملها امرؤ القيس كما يقال عادة أو حتى لغة ابن المقفَّع أو الجاحظ أو القاضى الفاضل أو حتى لغة الرافعى أو الزيات مثلا؟ إن العربية لم تكف قطّ عن التطور، ومن يَقُلْ بغير هذا فهو إما واهم لا يدرك ما يقع حوله وإما جاهل وإما غشاش! ترى أيمكن أن يمر يوم بل ساعة بل دقيقة على أى كائن حى دون أن تعتريه التغيرات من كل نوع؟ كلا بالطبع. وهو نفسه الجواب فى حالة اللغة. وردًّا على دعوى من يقول إن اللغة العربية لم تتطور نشير بسرعة إلى توارى آلاف الكلمات عن الأنظار ونشوء آلاف أخرى لم تكن موجودة فيها من قبل، واختفاء ألوان من التراكيب والتعابير والصور كانت لها شَنّة ورَنّة يوما ثم تغيرت الأذواق فاختفت أو كادت. مثلا أين يا ترى ذهب العدد الهائل من الألفاظ الرعوية التى كان العرب الجاهليون يستعملونها؟ لقد اندثرت أغلبيتها ومال الباقى على أسلات أقلامنا وعلى ألسنتنا نحن أهل الحضر إلى الاحتجاب، لأننا لم نعد نعيش فى مجتمع رعوى. وبالمثل أين ذهبت الصيغ القَسَمِيّة التالية: "وَايْمُ الله، أَجِدَّك، عَمْرُك الله، تَرَبِّ الكعبة" أو تركيبات مثل: "إنْ كاد فلان لَيَفْعَل كذا، وكَرِِبَ أن يفعله، واخْلَوْلَقَ أن يصنع كيت، وجعل يصنعه، وجاء القوم أكْتَعِين أبْصَعِين، وقام الطلاب ليس/ أو لا يكون زيدا، وارتفع السحاب متى لُجَج البحر، وأَجمِْلْ بفلانة، وإنْ كُلُّ مهاجم لمّّا عليه مدافع"، فضلا عن كثير من صور التنازع والاشتغال المعروفة لدارسى النحو العربى المفصل، وعدد غير قليل من صيغ الأسماء والأفعال مثل: "فِعْلَلّ وفُعَلِّل وفَعَيْلَل وفَعْفَعِيل وفَوْعال وفُعَلْعَل وفِعْلِياء وفَعْلَلَى وفِعَلاّل وفَعَلَّلَى، وفَعْيَلَ وفَيْعَلَ وفَعْوَلَ وفَعْنَلَ وافْعَالَّ وافْعَنْلَلَ وافْعَنْلَى"؟ كما أننا بوحه عام قلما نستخدم الآن صيغ التصغير أو أسلوب الإغراء والتحذير. وبالمثل يندر أن يََصِف أحدنا المنادى العَلَم أو يعطف عليه اسما آخر، أو يستعمل من أدوات النداء"أَىْ" أو "هَيَا" أو حتى الهمزة، أو يستخدم "بَلْهَ" بل نقول عادة: " فضلاً عن". كذلك فنحن نلزم فى الأعلام الحديثة، والأجنبية منها بالذات، السكون فى كل الأحوال، ونكتفى فى عبارة "لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلا بالله" مثلا بفتح اللام من "حول" والتاء المربوطة من"قوة" مهملين الإعرابات الباقية فلا نقول: " لا حولٌ ولا قوةٌ" أو "لا حولاً ولا قوةً"، ولم نعد نستخدم من أخوات "ظَنََّّ" الفعل "دَرَى (أحمدُ أستاذَه عالمًا كبيرًا) " المتعدّى إلى مفعولين، أو الفعل "أرَيْتُه (العملَ قيمةً كريمةً) " المتعدى لثلاثة فاعيل، بالضبط مثلما لم نعد نستعمل فى الحال قولهم: "جاؤوا الجَمّاءَ الغفيرَ" ... وهكذا. ومن ناحية أخرى فقد أخذ المجمع اللغوى بمصر بكثير من التسهيلات فلم يَرُدّ أى لفظ أو تركيب أو عبارة مستجدّة لها وجه من الصحة، ودعا إلى التوسع فى القياس بدلا من العناد الحرون الذى يلجأ إليه بعض المتنطعين فى اعتراضهم على اعتماد القياس فى بعض الاستعمالات الجديدة بشبهة أننا ينبغى أن نلتزم بما ورد عن العرب فى هذه المادة أو تلك الصيغة أو ذلك التركيب ولا نقيس على ما قالوه. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد يكون من المناسب أن أقول إنى قد أصبحت بدورى أكثر تسامحا ومرونة تجاه ما يسارع غيرى إلى تخطئته بناء على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير