تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أنهم لم يقابلوا هذا الاستعمال من قبل. ورأيى فى هذا الموضوع أن من الصعب الجزم بأن التركيب الفلانى أو التعبير العلانى خطأٌ ما دام لا يصادم أصلا من أصول اللغة، إذ ثبت لى فى كثير من المواقف أن الاستعمال المَقُول بخطئه ليس فى الحقيقة كذلك، بل كل ما هناك أن المخطِّئ قد تسرع فحكم على ما ليس له به علم، وبخاصة أنه قد صار سهلا الآن أن يكون تحت أيدينا فى دقائق معدودة كل الشواهد الشعرية أو جُلّها وكثير جدا من شواهد كتابات الفحول القدماء فى الاستعمال الذى نكون بصدده بنقرات قليلة على فأرة الحاسوب، وذلك كله ببركة الأقراص المدمجة، وهو ما كان علماء العرب يُفْنُون فيه الأيام والليالى، وربما الشهور والسنين، كى يضعوا أيديهم على بعضه.

وأما ما كان ينقص العربية من المعانى والمفاهيم والمصطلحات الجديدة مما كان موجودا فى غيرها من اللغات أو مما توصل إليه علماؤها أنفسهم فإنها كانت تستحدثه أوّلاً بأوّل بطُرُقها المختلفة كالاشتقاق والنحت والتعريب وإضفاء المعنى الجديد على لفظة قديمة ... إلخ. وبين يدىّ، وأنا أكتب هذا الكلام، كتاب د. عبد الصبور شاهين: "العربية لغة العلوم والتقنية"، الذى يتناول فيه الجانب اللغوى من التراث العلمى العربى وكيف استطاعت لغة القرآن أن تستوعب العلوم المختلفة فى كل مرحلة من مراحل تاريخها حتى العصر الحديث، إلى جانب قضايا الترجمة وصَوْغ المصطلحات العلمية التى تحتاجها اللغة كلما هلّ عليها علم أو فن جديد. وهو ما يبين أن العربية لم تعجز يوما عن التعبير عن أى فكرة أو مفهوم علمى، على عكس ما يريد إيهامَنا به المتعجلون الذين لا صبر عندهم على التحقيق والتمحيص، أو المقلدون الحاطبون فى حبال أعداء هذه اللغة ودينها. كذلك للدكتور كارم السيد غنيم كتاب فى ذات الموضوع عنوانه "اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة" يحسن بالقارئ الرجوع إليه أيضا لأهميته الشديدة فيما نحن بصدده. فكيف يقال بهذه البساطة إن نحو لغتنا وصرفها لم يعترهما أى تطور؟ لقد تطورا، لكنه التطور الذى لا يمس جوهر اللغة وسماتها الفارقة، بل يحافظ على خطوطها العامة ويُبْقِى على شخصيتها. أما ما يريده الكاتب من تطوير فما هو فى الحقيقة بتطوير بل تغيير لملامح اللغة وروحها، وهو كفيل ببتّ الصلة بيننا وبين اللغة التى عرفها أسلافنا وآباؤنا طوال الخمسة عشر قرنا الماضية أو يزيد، وكذلك الآداب والعلوم التى كُتِبَتْ بها، وقبل هذا وذاك القرآن المجيد. لماذا؟ لأنه يريد أن يلغى، وإلى الأبد، أبوابا من النحو والصرف لا غنى للغة ولا لنا عنها، أما ما توارى من الاستعمالات القديمة مما تحدثتُ عنه آنفا فإنه لم يُلْغَ، بل مازال موجودا فى مستودع اللغة بحيث نستطيع أن نستخرجه متى وجدنا أننا بحاجة إليه. فهو يمثل إذن مخزونا إستراتيجيا ينفعنا وقت الضيق، علاوة على أن هناك تحت أيدينا بدائل تغنى عنه بحيث لا تفقد اللغة شيئا أساسيا منها: فـ"اخلولق" مثلا تنوب عنها "عسى"، و"إنْ ... لمّا" نستعيض عنها بـ"ما ... إلا"، و"دَرَيْتُ سعيدا وفيًّا للعهد" يمكن أن نقول بدلا منها: "تيقنت/ تأكد لى أنه وفىٌّ للعهد"، وبالمثل يمكننا أن نقول: "ما أجمل فلانة" عوضا عن" أَجْمِِلْ بها" ... وهكذا. أما إذا حذفنا التثنية والتأنيث والإعراب مثلا من لغتنا إلى الأبد، فماذا نحن فاعلون عندئذ؟

ويا ليت الأمر يقتصر على هذا الذى يقترحه أ. الشوباشى، فالواقع أن كل من لا تعجبه اللغة العربية له اقتراحاته التى يريد لىّ عنقها إليها، فما العمل إذن؟ أنأخذ بكل تلك المقترحات؟ إذن ففى ضربة واحدة لن يبقى من قواعد اللغة التى نعرفها شىء تقريبا! أم نأخذ مقترحات البعض ونهمل مقترحات البعض الآخر؟ ولكن على أى أساس سيكون قبولنا أو رفضنا؟ لقد سبق أن نادى قاسم أمين مثلا فى كتيّبه المسمَّى:" كلمات" بتسكين أواخر الألفاظ. كما نادى عبد العزيز فهمى باصطناع الحروف اللاتينية، وله كتاب فى هذا الموضوع اسمه "الحروف اللاتينية لكتابة العربية". وتابعه فى ذلك سلامة موسى، الذى نادى أيضا بإلغاء المثنى، وبالتذكير والتأنيث فى الجمادات والمعانى والأعداد أسوة بالإنجليزية (البلاغة العصرية واللغة العربية/ 102 وما بعدها). ونادى طه حسين فى كتابه "نقد وإصلاح" بأن نكتب الألفاظ كما ننطقها، وهو ما من شأنه إرباك اللغة وإملائها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير