تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قدسيته وطهارته كما يقول هو وأمثاله، وكأن الدين لم ينزل لتطهير السياسة والاقتصاد مما يخالطهما من رِجْس، بل لنلفّه فى ورق سلوفان ونضعه على الرفّ كى نمتِّّع أبصارنا به أو لنبلّه ونشرب منقوعه على الريق. ثم وجدتُ بعد ذلك بقليل أنه شرع يلمز هذين الجانبين أيضا، لِيُثنِّىَ بالتنقص من الصحابة، مع بعض الخبطات من تحت لتحت فى شخص النبى علبه السلام، وهو ما استفزنى للرد عليه وإظهار جهله ونياته السيئة فى كتابى "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة". ثم كشف الرجل الغطاء تماما عن مقاصده وظهر كتاب باسمه يقول فيه عن سيد النبيين والمرسلين إن خديجة بنت خُوَيْلِد وورقة بن نوفل هما اللذان أعدّاه للنبوة وصنعاه صناعة، وإن خديجة قد "صَنْفَرَتْه وقَلْوَظَتْه" (هكذا بالنص على أسلوب الحُوذِيّة والحشاشين)، فدفعنى هذا مرة ثانية إلى الرد على قلة الأدب تلك فى كتاب بعنوان "لكنّ محمدا لا بَوَاكِىَ له" عبّرت فيه عن شكِّى القوى فى أن يكون مؤلفه شخصا ينتمى إلى أسرة مسلمة مهما يكن رأيه الحقيقى فى دين محمد، ورجَّحْتُ، بناء على أسبابٍ رأيتُها جِدّ وجيهة، أن يكون وراءه مبشر رقيع يتنقّب بالاسم المذكور على الغلاف، برضا صاحبه طبعا! ثم هاهو ذا مؤلفنا، على رقته ودماثة نفسه كما قلت، قد وقعتُ له على عبارة عارضة، لكن لها دلالتها الخطيرة، إذ وجدته يقول فى الصفحة المائة والعشرين، زاريا على من سماهم "الذين يفرضون مرجعياتٍ سَلَفِيّةً لكل قضايا المجتمع ومشكلاته المستعصية"، إنهم "يقحمون الدين الحنيف فى كل شىء. ليس فى السياسة فقط، لكن فى التعاملات اليومية والعلاقات الاجتماعية والقوانين وقواعد السلوك العام". ترى يا إلهى ما الذى يتبقى من "الدين الحنيف" بعد أن ننحّيه عن ميدان السياسة والقوانين والسلوك العام والعلاقات الاجتماعية؟ أسيظل بعد هذا "دينا"، و"حنيفا" أيضا؟ إننا نشمئز من شرب الخمر ومن لحم الخنزير والزنا واللواط والسحاق والتعامل بالربا بسبب نهى الشريعة المغلظ عنها، ونحترم الكبير ونصل الرحم ونغض البصرعن التطلع إلى النساء ونأكل بيمنانا ونسمى الله عندئذ ونحمده بعد الفراغ من الطعام لأن ديننا قد حث على ذلك، ونستهجن تبرج المرأة أو تشبُّهها بالرجال أو تشبُّه الرجال بها لأنه غير مقبول فى دين محمد، ونستحرم الربا لأنه ممنوع فى القرآن والسنة، وقوانيننا فى الزواج والطلاق والميراث مثلا مستقاة من الإسلام ... وهكذا. فهل يريد المؤلف منا أن نلقى كل هذه الأوامر والنواهى وراء ظهورنا أم ماذا؟

والآن مع مقترحات أ. الشوباشى: وأول شىء نقف عنده ما قاله بشأن المفعول به، ونصّه: "ولعل من أبرز أسباب تعقيد العربية ووقوع الغالبية فى شرك الخطإ هو المفعول به. والمشكلة أن المفعول به فى العربية لا يُعْرَف من مكانه فى الجملة، وإنما من إعرابه، وبالتالى من تشكيله. وأرى أنه من الأقرب إلى المنطق أن نقول مثلا: "رأيت رجلْ طويلْ يأكلْ خبز" بدلا من "رأيت رجلا طويلا يأكل خبزا". والسبب الوحيد الذى يجعلنا نتمسك بالمفعول به "مُنَوَّنًا" هو أننا ورثناه من نحاة العصور السالفة وأصبح مألوفا لآذاننا. لكنه من غير المنطقى أن نقبل هذا السبب ونستكين لثقافة الأذن. وإذا قلنا: "رأيت رجلْ طويلْ يأكلْ خبز"، فهل يؤدى هذا للقارئ أو المستمع أى التباس فى المعنى؟ وبغير مكابرة فإن الغالبيية العظمى يخطئون فى المفعول به عند الكتابة، كما أنهم لا يفهمون معنى بعض الجمل غير المشكَّلة بسبب ذوبان المفعول به وسط مفردات الجملة حيث إن تركيبة اللغة العربية لا تحدد له مكانا محسوبا ومعروفا سلفا" (ص172).

وتعليقى على هذا هو أن المسألة التى يتكلم عنها الأستاذ غير مقصورة على المفعول به، بل تشمل تقريبا كل الأسماء والأفعال المضارعة أيضا، إذ إن وظائف الكلمات فى لغتنا لا تتضح أساسا إلا بضبطها. كما أننى لا أفهم تخصيصه "التنوين" بالذات باعتراضه، والمفعول به وغير المفعول به لا ينوَّن فى جميع الحالات كما هو معروف؟ فهذا دليل آخر على أن المسائل فى ذهنه غير واضحة. أما بالنسبة لثقافة الأذن التى يعدّها من عيوب العرب فعلينا أن نلاحظ أنه يتكلم، لا عن عرب الجزيرة وحدهم، بل عن المصريين والعراقيين والشوام والمغاربة والسودانيين، فهل هؤلاء جميعا ثقافتهم أذنية مع أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير