تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأننا عادة ما نهمل تشكيل الكلمات فملاحظته تكون عندئذ فى محلها. ولكن لا بد مع هذا من المسارعة إلى القول بأن السياق والتعود والإلمام بقواعد اللغة يعوّض عن هذا إلى حد كبير، علاوة على أن كثيرا من المؤلفين يحرصون على تشكيل ما يَرَوْن أنه بحاجة لذلك. بل إن القارئ فى كثير من الأحيان لا يحتاج إلى التشكيل على الإطلاق، وهاهو ذا كتاب المؤلف بين أيدى القراء، وهو غير مشكَّل، فهل وجد أحدهم صعوبة فى قراءة أية كلمة فيه؟ لقد أورد سيادته مثالا على الالتباس الذى يجده القارئ فى هذه الحالة كلمةَ "قتلت" إذا لم يتم تشكيلها، لأنها يمكن أن تُنْطَق بعَشْر طُرُق. وأنا معه فى أن الكلمة المذكورة تقبل النطق فعلا بكل هذه الصُّوَر، لكنْ على المستوى النظرى فقط، أما على أرض الواقع العملى فالسياق والتعود والخبرة والإلمام بالقواعد يسهّل الأمر، كما قلت، إلى حد كبير، بل يعوّض كذلك عن غياب التشكيل تمام التعويض فى كثير من الأحيان، وإلا فكيف كان يقرأ الناس ما يقرأون كل لحظة من نهار منذ أن انتشرت الكتابة فى حياة العرب حتى هذه الساعة؟ أكانوا يتهتهون قليلا ثم يتركون ما يقرأونه وينصرفون عنه إلى شىء آخر أم ماذا؟ ثم إنه إذا كانت الكلمة المذكورة تحتمل عشر طرق فى النطق فإن معظم الكلمات لا تحتمل إلا طريقة أو اثنتين لا غير كما هو معروف. وعلى أية حال فإن التشكيل، كما وضّحْتُ، يُعَدّ ركنا أساسيا فى إملائنا، بَيْدَ أن عبقرية لغة القرآن وانتظامها الشديد فى قواعد صرفها ونحوها يغنيان عن هذا التشكيل فى كثير جدا جدا جدا من الحالات، وبخاصة إذا كان القراء على شاكلتى أنا وأمثالى ممن يعرفون تلك القواعد جيدا. هذا، ولا يفوتنى أن أنبِّه إلى الخطإ الذى وقع فيه الكاتب حين قال إن "غالبية الكلمات والأفعال فى العربية تتكون من حروف ساكنة فقط"، إذ جعل "الكلمات" قسيمة لـ"الأفعال"، وهذا غير صحيح، فالأفعال قسم من أقسام "الكلمة". وعلى هذا فالصواب أن نقول: "الأسماء والأفعال والحروف"، أو أن نكتفى بذكر "الكلمات" فحسب، لأن الكلمات فى لغتنا تنقسم إلى "اسم وفعل وحرف" حسبما هو معروف.

وقد نال المترادفاتِ أيضا من هجوم الكاتب وزرايته نصيبٌ كافٍ، فأخذ يتألم من اتساع هذه الظاهرة فى لغتنا داعيا إلى الاكتفاء منها بالقليل. وأنا فى الواقع لا أدرى كيف يمكن أن تكون هذه السِّمَة مَسَبَّةً فى لغة القرآن. ترى هل يمكن أن نجىء إلى رجل شديد الثراء بجِدّه وعمله ودأبه وذكائه وحيويته وطموحه فنقول له موبّخين: لماذا كل هذا الغنى والنعمة التى أنت فيها؟ لم لا تكون فقيرا؟ أم هل يمكن أن نذهب إلى إحدى الجميلات الفاتنات ونبكّتها قائلين: لماذا كل هذا الجمال الذى وَهَبَكِيه الله؟ لم لا تكونين قبيحة؟ وبالنسبة للمترادفات، فليقل لنا الأستاذ الفاضل كيف يمكن أن نتخلص من هذا الفائض اللغوى؟ هل نعمل له محرقة؟ لكن أيضمن ألا يطلع علينا أحد المستشرقين فيتهم العرب والمسلمين بالتخلف والوحشية وحرق الكتب، وبخاصة أننا لم نستطع بعد أن نخلص من التهمة الظالمة السخيفة بحرق مكتبة الإسكندرية رغم تفنيد عدد من الكتاب الغرب أنفسهم لها بأدلة علمية لا يخرّ منها الماء؟ وهبْ أننا دمَّرنا الكتب، ولا أدرى كيف، لأن هذه المترادفات ليست موجودةً فى مكان واحد بحيث يمكن أن نرسل طائرة فتدك المكان فوق رؤوس هذه الكلمات اللعينة التى هى علة كل تخلفنا وذلنا، وتريحنا إلى الأبد منها ومما جلبته لنا من عار وشنار، فما الذى سنستفيده من هذا؟ إن تلك الألفاظ موجودة فى بطون القواميس ولا تسبب لنا أية مشكلة، فلماذا نشغل أنفسنا بها؟ أهى مجرد الرغبة فى إثارة عاصفة فى فنجان؟ أما من يريد أن يستعملها فلسنا نملك له شيئا! أم ترى المؤلف الكريم يقترح إصدار تشريع بإعدامه أو سجنه مثلا؟ لكن المشكلة أن مثل هذا القانون سوف يكون فرصة رائعة لأنصار حقوق الإنسان فى الغرب كى يؤلّبوا علينا أمريكا (دستور يا أسيادى الأمريكان، دستور! اللهم اجعل كلامى خفيفا على الأسياد!) فتحتلنا رغم أنهم يكرهون لغتنا ويعملون على القضاء عليها، وذلك على طريقتهم الشيطانية فى الإفادة من الشىء ونقيضه، كما فعلوا مع صدام حسين وبه، إذ استفادوا منه فى ضرب إيران، وشجعوه على غزو الكويت، ثم انقلبوا عليه واتهموه بالعدوان على هذين البلدين وبحيازة الأسلحة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير