تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النووية التى اشترى معداتها من أوربا تحت سمعهم وبصرهم وهم ساكتون ما دامت النتيجة هى نزح ثروات العراق إلى بلاد الغرب! إن كثرة المترادفات لهى دليل على الدقة الهائلة التى تتمتع بها لغة العرب، فتراها تسمِّى الشىء أسماء مختلفة حسب الزاوية التى تنظر منه إليها، فالسيوف مثلا تسمى: "هندوانية" للدلالة على أنها صناعة هندية، وكانت الهند وقتها مشهورة بصناعة السيوف، فهذه التسمية لون من الافتخار، كما يقول الواحد منا الآن إن حاسوبه مثلا صناعة يابانية لا صينية. وقد تسمَّى أيضا بـ"البِيض" للإشارة إلى ناصع لونها، وقد يسمَّى الواحد منها: "جُرَازا" للإيحاء بمقدرته الرهيبة فى القطع من ضربة واحدة لا غير ... وهكذا. على أن هناك سببا ثانيا وراء كثرة المترادفات عندنا، ألا وهو اختلاف القبائل قبل الإسلام فى تسمية بعض الأشياء، مثلما نقول فى مصر الآن: "كرنب"، على حين يقول الشوام: "ملفوف"، ومثلما نقول: "طماطم"، ويقولون هم: "بندورة" ... إلخ، علاوة على أن كثيرا من هذه المترادفات ليست فى الحقيقة تسميات مختلفة للشىء بل نُعُوتًا له استعملها الشعراء والكتاب دون موصوفاتها فظن المتعجلون أنها إسراف فى الترادف. لكن ذلك كله لا يمثل لنا أية مشكلة، فهذه التسميات الكثيرة لا تتعدى بطون المعاجم كما قلنا، أما عند الكتابة فلا أحد منا يستطيع أن يتذكر عادةً إلا اسمين أو ثلاثة أو أربعة مثلا لأى معنى كان فى يوم من الأيام يحظى بوفرة فى التسميات. ويظل الباقى هناك مخزونا إستراتيجيا نستعمله عند اللزوم: إما لمسمّاه الأول، وإما فى معنى مجازى جديد، وإما لشىء مستحدَث لم يكن للعرب به عهد من قبل ... إلخ. ويشيد د. عثمان أمين بهذه الخصيصة من خصائص لغة الضاد قائلا إنها تتفوق بها على لغات العالم، إذ لا توجد فى أى من هذه اللغات مثل تلك الوفرة من الألفاظ الدالة على الشىء منظورا إليه فى مختلف درجاته وأحواله، ومتفاوت صوره وألوانه. ثم ينقل عن حسن الشريف المثال التالى: "فالظمأ والصَّدَى والأُوَام والهُيَام كلمات تدل على العطش، إلا أن كلا منها يصور درجة من درجاته: فأنت تعطش إذا أحسست بحاجة إلى الماء، ثم يشتد بك العطش فتظمأ، ثم يشتد بك الظمأ فتَصْدَى، ويشتد بك الصَّدَى فتَؤُوم، ويشتد بك الأُوَام فتَهِيم ... وواضح أن هذه الخاصية العربية ... تغنينا باللفظ الواحد عن عبارة مطوَّلة تحدد المعنى المقصود، وتجعلنا نقول عن المشرف على الموت عطشا إنه "هائم"، حين لا يستطيع الفرنسى مثلا أن يؤدى هذا المعنى إلا فى ثلاث كلمات، إذ يقول: "مائتٌ من الظمإ: mourant de soif أو فى سبع كلمات ليكون المعنى أوضح فيقول: "على وشك أن يموت من الظمإ: sur le point de mourir de soif"، ثم يعقّب على هذا النقل قائلا إن "هذا المثال المتقدم يشير إلى خصيصة عربية أخرى لا نكاد نجد لها نظيرا فى غيرها من اللغات التى نعرفها، وهى الإيجاز فى اللفظ والتركيز فى المعنى دون الإخلال بما درجت عليه من الوضوح والتمييز" (فلسفة اللغة العربية/ المكتبة الثقافية/ أول نوفمبر 1965م/ 58ــ 59). كذلك أثنى والد المؤلف على هذه الخصيصة فى اللغة الفصحى قائلا إن أية لغة غير العربية لا تعرف إلا كلمة واحدة للتعبير عن المشى للرجل والمرأة على السواء، أما لغتنا فتقول عن المرأة: "تتَأوَّد" و"تتبختر" و"تَرْفُل" وغير ذلك من الكلمات التى تصور تأنق المرأة فى مشيتها وتنطق بما كان لذلك من أهمية (العرب والحضارة الأوربية/ المكتبة الثقافية/ 15 أغسطس 1961م/ 62). ومرة أخرى نقول: لم يجدوا فى الورد عيبا، فقالوا له: يا أحمر الخدين! على كل حال لا ينبغى أن تضيق منا الصدور، فمصيرها أن تروق وتحلو! والمهم أن يفيق "أولاد الإيه" العرب من هذا الخُمَار الذى هم فيه، وعندئذٍ، لا قبلئذٍ، لن نسمع مثل هذه التصايحات التى تحاول التشكيك فى كل شىء من تراثنا العظيم! لكن متى؟ "تلك هى المسألة" كما يقول سيدنا شكسبير! أما الآن فواضح أنه "لا حياة لمن تنادى"!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير