تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحقائق الدامغة كانت غائبة عمَّن أحسب، صوابًا أو خطأً، أنهم أمدّوك بالنصوص القديمة وعناوين الكتب التى أُخِذت منها وأسماء مؤلفيها ممن لا أظنك على معرفة بهم إلى الحد الذى يعكسه كتابك، نظرا لثقافتك الفرنسية التى أقدّرها رغم هذا! وعلى أية حال فقد كان ينبغى أن ينبهك إلى ذلك الأمر الأستاذُ الذى ذكر لى قُبَيْل دخولنا إلى الأستوديو لمناقشة كتابك أن دوره انحصر فى قراءة مخطوط الكتاب وإجازة نشره، وذلك عندما سألتُه عما إذا كان هو الذى أمدَّك بالمعلومات الخاصة بالأدب العربى التى لا يعرفها عادة إلا أهل الاختصاص مما استبعدتُ معه أن تكون قد توصلت إليها وحدك فى مظانّها التى تستعصى إلا على خبير فى الموضوع.

ومن النقاط التى يثيرها الأستاذ الشوباشى دون أى داع مسألة قدسية اللغة العربية، التى قال، وأنا معه فى هذا الذى قال، إنه لا يوجد فى القرآن أو الأحاديث النبوية ما يدل على صحتها رغم ما ذكر من أن بعض المتحجرين، حسب وصفه، يرون أنها مقدسة فعلا (ص 71 وما بعدها). وهو يرمى من وراء هذا إلى أنه لا مانع من الأخذ بما يدعو إليه فى كتابه من تغيير اللغة على النحو الذى يقترحه ونرى نحن أنه سيكون له عواقب وخيمة إذا تحقق ما يريد. ثم إنه لا يكتفى بهذا، بل يتساءل عما إذا كان هناك نص فى كتاب الله أو سنة رسوله يؤكد أفضلية العرب على سائر الأمم. وهو يرمى هنا أيضا إلى نفس الغاية فيما أظن. وأنا معه هنا أيضا فى أنْ ليس فى القرآن المجيد أو الحديث النبوى الشريف ما يدل على أن العرب هم أفضل الأمم. بل إن فى كلام النبوة أنه لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح. وأزيده من الشعر بيتا حسبما يقول إخواننا السعوديون فأقول له ما أكرره دائما من أن العرب فى هذا العصر هم عنوان الهوان والمذلة والبلادة والضياع. لكن هذا كله لا يوصّل، فيما أرى، إلى شىء مما يريد بلوغه من تغيير اللغة على النحو الذى يرمى إليه. فلغتنا، وإن لم تكن مقدسة، تستحق منا أن نهيم بغرامها ونفاخر أصحاب اللغات الأخرى بها ونرى أنها لغة مباركة لأنها هى الوعاء الذى اصطفاه الله تعالى لحفظ كتابه الكريم إلى يوم الدين! والواقع أنه إذا لم يكن هذا الاصطفاء كافيا لهُيَامنا بتلك اللغة وحرصنا على الاعتزاز بها فلا أدرى كيف يمكن أن يكون هناك سبب للاعتزاز بأى شىء فى الحياة! وعلى أية حال لقد ذكر سيادته أن من الأمم الأخرى من ينظر نظرة تقديس إلى لغته، وعلى هذا فحتّى لو قدَّسنا لغتنا فلن نكون بدعا فى ذلك. لكن العرب الآن لا يقدسون كلهم لغتهم أيًّا كان معنى التقديس، وإلا لكانوا أتقنوها كما ينبغى أن يكون إتقان اللغة القومية، ولم يكن معظم طلابهم ومثقفيهم بهذا المستوى المتدنى فيها وفى غيرها. إن الذين يعتزون بلغة القرآن، أو إن شئت فقل: إن الذين يقدّسونها، إنما هم الذين اطَّلعوا على أسرارها ويستطيعون من ثَمَّ أن يحسّوا بما فيها من عبقرية، أما العامة، وكذلك أشباه العامة ممن لا يمكنهم تذوق جمالها حتى لو كانوا حاصلين على أعلى الشهادات الجامعية، فليسوا من تقديسها فى شىء. هذا، وقد تناقض المؤلف فى تحديد الزمن الذى يزعم أن نزعة تقديس اللغة العربية قد بدأت فيه: فمرة يقول إنه العصر الأموى بما كان سائدا فيه من اتجاه عروبى يجعل الأولوية فى الدولة للعرب مُؤْثِرًا إياهم على بقية الأجناس المسلمة (ص 87ــ 88)، ومرة يقول إنه العصر العباسى، وبخاصة منذ عهد المعتصم حين أطلت الشعوبية برأسها وأخذ المسلمون من غير العرب يزايدون، كما يقول، على اللغة العربية ويبالغون فى تبجيلها رغبةً منهم فى إثبات حسن إسلامهم (ص 95ــ 96).

وهنا نجد الكاتب يُدْخِلنا فى قضية جانبية لا علاقة لها، فيما نرى، بموضوع الكتاب الذى هو المناداة بإصلاح اللغة العربية، إذ يقفز فجأة فيخصص فصلا يتحدث فيه عن الدور الذى قام به النصارى العرب قديما منذ العصر الجاهلى حتى العصر الحديث فى مجالات الأدب والعلم (ص 96 وما بعدها)، وهو ما لا نريد المشاحّة فيه، اللهم إلا حين يتنكبّ سبيل الحقيقة زاعما أن نصارى العهد العباسى، عندما رأَوْا أنفسهم وقد أُبْعِدوا عن مجالات الإبداع الأدبى بسبب من تقديس المسلمين للغتهم وكراهيتهم لمشاركتهم إياهم فى ميادينها، قد انكبوا على العلوم الطبيعية تاركين للمسلمين التفوق فى الأدب وإبداعاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير